عرض مشاركة واحدة

عمر محمد الأمين
:: عضو نشـــط ::
رقم العضوية : 3
الإنتساب : May 2010
المشاركات : 3,281
بمعدل : 0.64 يوميا

عمر محمد الأمين غير متواجد حالياً عرض البوم صور عمر محمد الأمين



  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : عمر محمد الأمين المنتدى : منتدى السياسة والفكر والأدب
افتراضي "الصوفية " سور الأمان الأخير ---- إبراهيم الميرغني
قديم بتاريخ : 05-29-2017 الساعة : 08:13 AM

"الصوفية " سور الأمان الأخير إبراهيم الميرغني
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

يقول العبيد ود ريه الما بعقد النية رافضا التورط في كمين نصبه له أحد قادة التركية عند حصار الخرطوم ١٨٨٥ ( أنا ماني فار بدخل الجحار، وماني صبر بخش الققر، وماني متل المشا يتفولح جاب ضقلا يتلولح)، فصارت مثلا تسير به الركبان الى يومنا هذا، يضرب عند تلافي التورط في المآذق وتفادي المزالق ،! والشيخ العبيد ود بدر هو أحد أبرز شيوخ ( القوم ) ذاع صيته بين الخاصة والعامة لثاقب بصيرته وبساطة عبارته حتى يكاد لم يقل قولا إلا وأخذه الناس أمثولة ، وقد كرس الرجل حياته وجعل همه فى ثلاث هن تعليم القرآن وقرئ ( الضيفان ) ومولد ( عثمان ) بعد أن أدرك بحكمته الفطرية حوجة المجتمع المحلي الذي ينتمي إليه إلى ما يمكن أن نعرفه اليوم بـ( نقطة ارتكاز ) تكون بمثابة الملجأ للجسد بقدر ما هي مأوى للروح ، وما كانت ( أم ضبان ) إلا واحدة من تلك الملاجئ التي تنتشر على امتداد جغرافيا وتاريخ السودان فلا يكاد سهل أو جبل أو وادي ليخلو من ( مسيد ) تتقد ناره لتعنى الأمان المادي والروحي ، وهكذا تشكل السودان وقامت القرى والمدن حول هذه النقاط المضيئة وغزل المجتمع نسيجه حولها و انسجم بل وقاوم عوامل المناخ القاسي في بيئة لا تقل قسوة عن شمسها المدارية الحارقة .

وما السودان إذا نظرته بعين البصيرة سوى جبة درويش مرقعة بكل لون بشري حتى لتكاد لا تعرف لونها الأساسي ، ولدرجة صعوبة إمساك لحظة تاريخية بعينها تستطيع أن تقطع بأنها البداية ولا موقع جغرافي محدد يمكن أن تدعي أنه المركز ، ولا عرق نقي واحد يمكنك أن تجزم بأنه الأصل ، وسيضيع جهدك إن حاولت أن تلبسه غير جبته المرقعة التي لا تنتمي سوى ( إليها ) ولا تدل إلا ( عليها) سواء أعجبتك أم لم تعجبك ، لا يهم .

بينما أكتب الآن و أنا في قلب الخرطوم أتطلع عبر الشرفة شرقاً فلا تقع عيني إلا على قبة الشريف يوسف الهندي ومن ورائها أم ضبان ومن ورائها قباب العركيين فى أبو حراز ، لتقودك إلى ام جور وبنيات الصادقاب التي لن تقود إلا إلى مكان واحد عند مطلع الشموس فى كسلا معقل السيد الحسن الميرغنى ( ابو جلابيه ) .
إن يممت وجهي نحو ريح الشمال فحمد ود أم مريوم وخوجلي أبو الجاز والسيد علي الميرغني بينما تلوح في الأفق قبة الكباشي ( التلب الماهو حاشي ) ومن ورائها ما ورائها من كل ذي قدر كريم و أما الغروب فتشرق فيه الشموس النيرات والجنوب يسفر عن الاقمار و البدور ، وبعد هذا قد يتساءل غريب من هم القوم ..!
فنقول هم القوم الذين لا يشقى بهم جليسهم كانوا وظلوا عبر القرون أمان للخائف ونجدة للملهوف ومعين على نوائب الدهر أن مات أب فراجل المسيد هو (يابا) أو غضت أم فـ( أم الفقراء ) موجودة أو تهدم دار فلهم على النفير همة ، أو عجز مطالب فالأخوان هنا ولو سال دم ونهض سلاح فللرجال كلمة مسموعة وحكمة تطفئ لهيب النفوس ، وهكذا تستمر الحياة وتزدهر ، فالكل هنا أخوة يأكلون من ( قدح واحد ) لا فرق بين إثنين إلا بقدر الوفاء والولاء والتفاني في خدمة الناس والتعلق بكلمة واحدة هي ( الله ) .

رغم قيام ثلاث ممالك مسيحية في بلاد السودان إلا أنك لا تكاد تجد لها أثرا اليوم وكأنها ما كانت ، وحتى الجيوب الموجودة الآن فما هي إلا نتيجة لحملات تبشير متأخرة لا صلة تاريخ تربطها بعلوة والمقرة وسوبا ، نعم لم تجد المسيحية فى أرض السودان مكانا ولا عند أهله مواءمة طبع وفطرة و لم تقبل سوى الإسلام الصوفي حتى أنك لا تكاد في بعض المناطق لا تفرق بين الإسلام وقديم المعتقدات ، نعم لقد ستعصى السودان أمام إسلام سيف بن أبي السرح و أنفتح أمام اسلام تاج الدين البهاري و إدريس الأرباب وأحمد الطيب البشير ومحمد عثمان الميرغني .
ابن ابي السرح راهن على قوة السيف فتراجع أمام مهارة (رماة الحدق ) ، ونصال البجا والقوم راهنوا على قوة الإسلام الذاتية ومقدرته على تطويع الفطرة السليمة وكسر حاجز اللغة بالنوبة والطار والقدح والأهم بسطوة كلمة ( الله ) ونفاذها إلى مكمن الإيمان فى النفس وتليين قلوب البدو والمحاربين بسيرة الرسول الكريم والتي صاغوها في أناشيد يسهل حفظها للأميين ، ونسج الفقه والتوحيد فى منظومات بسيطة يرددها الحاضر والبادي فيتعلم ، فبدأ المجتمع يترقى من القبلية إلى مستوى أخوة الطريق والإسلام والتي لم يكن بدونها محمد خير قد يفكر حتى مجرد التفكير في زراعة دلتا القاش موطن أدروب المحارب ، وهكذا بدأ المجتمع يتكون بسلام عبر القرون ويتماسك إلى أن بدأت تهب علينا رياح الشؤم.

في السودان لا مكان للفرق التي لم نسمع عنها إلا في دروس السير كالخوارج والمعتزلة والروافض والنواصب وغيرها حتى لقد كنا نظنها انقرضت في جوف التاريخ ، نحب الرسول وآل بيته ونبكى مقتل الحسين وسبئ بنات الرسول في كربلاء ، ولكننا نفدي الصديق والفاروق وذي النورين بمهجنا ، نحب علي كما لم نحب آبائنا وعند ذكر معاوية نقول رضي الله عنه ، السوداني تجده في الخلوة طفلا وفي ( الكمبو) صبيا وعلى (تبروقته) شيخا يكثر الاستغفار ، و يظل المكان دوما يسع ( المسيد والمدرسة والطاحونة )، لا جهد منظمات التبشير ومدارسها ومشافيها ودولاراتها فعل أكثر من صناعة نخبة تمارس سرا معتقداتها القديمة ، ولا نفط الصحراء استطاع اكثر من جلابية تنتهي عند منتصف الساق ، أو لحية مرسلة لا تعني على الإطلاق أن صاحبها أكثر إسلاماً من ( حاج احمد ) .
لم ولن يكون علمانيو السودان جادين أو صادقين في علمانيتهم بقدر ما هي محاولة للتبرير ، وبنفس القدر خاب التطرف في تشويه إسلام السوداني الذي يشكل شخصيته ومزاجه والذي أدرك بفطرته زيف أن يتذرع أهل الارض بقدسية السماء .
على الدولة أيا كان توجهها و نهجها أن تكف عن إسلام الناس - لا سلبا ولا إيجابا لأن أي تدخل حدث او سيحدث لإسناد أو تقويض نموذج بعينه خلف وسيخلف خللا وثقوبا مدمرة ، قد تتسع لتصبح فجوة بين الماضي والحاضر والمستقبل فينقطع تدفق التاريخ على الجغرافيا ويتوقف المد والمدد ،
فقط اتركوا الإسلام لقوته الذاتية التي استطاعت أن تتغلب بالحجة و العون الرباني الذي إن لم يكن للفتى منه نصيب ( فأول ما يجنى عليه اجتهاده) .
نحن نراهن وبشدة على القوة الذاتية للإسلام ( المدد ) والتي أفلحت فيما عجزت عنه الجيوش والدنانير والعروش ، نحن نراهن على أهل النوبه والتقابة والقلية ، على أهل الفلوات والوصية على أحبار ربانيين هم من الناس ومع الناس وبين الناس، اصطفاهم ربهم لقضاء حوائج الناس .
++++++
إبراهيم الميرغني


رد مع اقتباس