عرض مشاركة واحدة

عمر محمد الأمين
:: عضو نشـــط ::
رقم العضوية : 3
الإنتساب : May 2010
المشاركات : 3,281
بمعدل : 0.64 يوميا

عمر محمد الأمين غير متواجد حالياً عرض البوم صور عمر محمد الأمين



  مشاركة رقم : 6  
كاتب الموضوع : هشام طه مساعد المنتدى : المنتدى العام
افتراضي
قديم بتاريخ : 05-22-2013 الساعة : 04:43 AM

أغنية «آسيا وإفريقيا» درة في تاج الغناء السوداني

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
تاج السر الحسن


م. عيدروس:
قدمت من قبل مساهمة متواضعة في تكريم اللجنة الأهلية للشاعر والناقد والأكاديمي الراحل د. تاج السر الحسن بعنوان «في تجربة تاج السر الحسن: وعي الشعر.. وشعر الوعي» ونشرت هذه المساهمة في عدة صحف ومجلات.
وتناولت في مناسبات سابقة بعض أشعار تاج السر ونتاجه النثري في المنتديات التي شاركنا فيها سوياً وآخرها في منتدى الزهور الطبي.
ولكنا هنا نحاول أن نقرأ بعض نتاجه الشعري، ونبتدر ذلك بأغنية «آسيا وإفريقيا»، وهي التي قدمتها الندوة الأدبية
إلى جانب قصيدة «المولد» لمحمد المهدي المجذوب للفنان عبد الكريم الكابلي،
كما قدمت الندوة التي ترأسها الراحل الأديب عبد الله حامد الأمين قصيدة
«في محراب النيل» للشاعر التيجاني يوسف بشير إلى الفنان عثمان حسين.

ورغم مرور السنوات التي تجاوزت نصف القرن حيث قدمت لأول مرة في حفل بالمسرح القومي في أول ظهور علني كبير للفنان عبد الكريم الكابلي، وبحضور الرئيسين: الفريق إبراهيم عبود وجمال عبد الناصر.. مازال للأغنية وهجها وبريقها.

ولعل الملابسات التي أحاطت بأداء الكابلي لها تكشف عن توجس الأنظمة الشمولية من الإبداع،
فقد تحول المقطع التالي إلى شيء آخر:

لست أدري يا رفاقي
فأنا ما زرت يوماً إندونيسيا
أرض سوكارنو وما شاهدت روسيا

وتدخل هنا الرقيب لتتحول إلى آسيا، لأن اسم روسيا قد ارتبط آنذاك بالمعسكر الشرقي،
ورغم زيارة الرئيس عبود لروسيا ويوغسلافيا إلا أن الرقيب قد تدخل وحذف روسيا وأدخل آسيا،
ونرجو الرجوع للتسجيلات القديمة للأغنية:

ثم يجيء حذف البيت الذي يتوسط بين بيتين تضمنتهما الأغنية في التسجيلات «الرسمية»:
قد رأيت الناس في قلب الملايو
كالمنارات التي شيدها أول مايو
مثلما شاهدت «جومو»

أما المقطع الذي ناله الحذف والبتر من خلال مقص الرقيب فهو:
يا رفاقي صانعي المجد لشعبي
يا شموعاً ضؤوها الأخضر قلبي
وهنا يتدخل الرقيب ليحذف هذا المقطع الذي يخاطب الداخل والخارج،
ويحيي نضال الجماهير المقهورة:


إن سمعتم صوت «تيوان» البعيدة
وهي تهدي الشعب أرواحاً عديدة
أو رأيتم وجه «جودة»
أوجهاً عادت من السجن إلينا
أوجهاً صافحت الأيدي يدينا
أوجهاً عادت لتحيا في الجزيرة
لم تمت أرواح جودة
وفي المقطع الأول الذي تفتتح به القصيدة لم يفت على الرقيب أن ينتبه للمنارات التي شيدها أول مايو «عيد العمال العالمي».
وقد يكون للبعض رأي آخر في القصيدة، ولكنها تبقى في ذاكرة الأجيال مساهمة سودانية للتضامن مع حركة التحرر الوطني التي كان لها وهجها وبريقها في تلك الفترة المضيئة من النضال الوطني والقومي والعالمي.

ولتجاوز البعد التاريخي الذي جاءت فيه القصيدة، تبقى بعد ذلك مسألة النص وما يمكن تقديمه للمتلقي في لغة سهلة بسيطة محتشدة بالرموز والدلالات على صعيد الأمكنة في سياحة عميقة على ثورة الجزائر و«ديان فو» التي قال فيها الشاعر في أكثر من موضع:


يا ديان فو
قد رأيت الآن جندياً مغطي بالدماء
قلبه الأحمر كالوردة ملقي في الفضاء
كان من باريس لكن مات قهراً
في «ديان فو»..

وهذه دعوة لإعادة قراءة القصيدة كاملة والتغني بها، بعد أن زالت ظروف الحذف والرقابة في العالم الذي انفتحت فضاءاته على معاني الحرية وكسر الاغلال، وهي أمانٍ ناضل تاج السر الحسن طويلاً في سبيلها.
والقصيدة تحتشد بالصور الشعرية وتعتمد على تقديم صورة تدغدغ الشعور التحرري للمتلقي الذي أصبح قريباً من وسائل الإعلام في العام الذي تلقى فيه عبر المسرح والإذاعة في عام 1960م هذه الأغنية التي أجاد الكابلي تقديمها للجمهور السوداني والعربي في أكثر من قطر عربي.

وإذا كنا قد قلنا من قبل وقال غيرنا كالشاعر محمد المكي ابراهيم، إن تاج السر الحسن قد أضاء مشعل الحداثة،
إلا أننا نعيد ما سبق أن أشرنا إليه من أن دراسة تاج السر الحسن المبكرة والتقليدية للغة العربية سواء في معهد النهود العلمي وفي كلية اللغة العربية بالأزهر بالقاهرة، قد حفظت لغته العربية من مزالق وقع فيها غيره من شعراء تلك الحقبة.
ولكن وجود التيارات الاشتراكية والقومية والتوق إلى التحرر والاندفاع في موجة الانعتاق من إسار الماضي وتلقي أبناء جيل تاج السر الحسن شعلة الحداثة التي أوقدها السياب ونازك الملائكة والبياتي في العراق، قد اختصر عليهم طريقاً من التجريب،
وقد خاضوا مغامرة الخروج على المألوف، ولكن وفق رؤية تعرف كيف تزاوج بين روح التقاليد وآفاق التمرد والثورة.


رد مع اقتباس