عرض مشاركة واحدة

عمر محمد الأمين
:: عضو نشـــط ::
رقم العضوية : 3
الإنتساب : May 2010
المشاركات : 3,281
بمعدل : 0.65 يوميا

عمر محمد الأمين غير متواجد حالياً عرض البوم صور عمر محمد الأمين



  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : منتدى السياسة والفكر والأدب
افتراضي التغيير والطريق الثالث … بقلم: د. عبد المنعم عبد الباقي علي
قديم بتاريخ : 05-17-2019 الساعة : 10:29 PM

التغيير والطريق الثالث …

منشورات حزب الحكمة
بقلم: د. عبد المنعم عبد الباقي علي
[email protected]
+++++

بسم الله الرحمن الرحيم
"فاتحة كل خير وتمام كل نعمة"
+++
علا بوق الثورة فتداعى القوم والنساء، ممّن شيّبته الهموم، وقاد الركب شباب وأطفال تكاد تعصف بأحلامهم السنون ولكن كان يحدوهم الأمل، ويمنّون النّفس بضوء يزيح دياجير الظلام، ويفتح كوّة للضياء في محبس أهل السودان، الذي تطاولت أيامه وتمدّدت حتى دبّ اليأس في النفوس، واعترى الوهن القلوب. هذا الجمع الكريم كجواهر العقد بعثرته وأهدرته حماقات الحاكمين، وقد كان حريّاً بهم أن يزيّنوا به جيد الوطن علماً وإبداعاً.
كان مفهوم التّغيير، الذي استعصى عليهم، يحتلّ مخيلتهم ينشدونه أينما كان، ولكنّهم لم يطلبوا أي تغيير يكون، بل كانوا، وما يزالون يطلبون، التغيير الإيجابي الذي يدرأ الضرر، ويطفئ النيران، ويوقف النزيف، ويُشفى الوطن من علله التي تعاورته منذ أن نال استقلاله، ويدفعه لسماء النّماء والتّقدّم؛ يتسارع إليه بناته وبنوه من كلّ حدبٍ يضمدون جراحه، ويُنشدون اسمه لحناً خالداً ومثلاً يُقتدى.
كانوا يبحثون، ولا يزالون، في كلّ زاوية عن هذا التّغيير المنشود الـمُعافى، الذي ينفث الروح في الجسد الموات، ويُحيى الأمل في النّفس اليائسة.
والسؤال: ما هو التّغيير وكيف يتم ومن يقوم به؟
ما يهمني في سيرورة التغيير هي الرؤية، والتي هي وقود الأمل والسعي والاجتهاد، فأنا متفائل بطبعي ولكنّى لست متواكلاً أرجو أن تبعث لي السماء بحلٍّ لمشاكلي، أو قنوطاً من رحمة السماء، ولذلك فأنا أستهدي بنهجها الذي تركته نوراُ للعالمين. النّاس تسعى للكمال والله سبحانه وتعالى يريد لهم أجر المحاولة لا النجاح، أو بلوغ المرام؛ إذ ذلك بيده يهبه لمن يشاء وقت ما يشاء، ولكنّه سائلهم لا محالة عن دورهم وعطائهم.
لقد ذهب عهد انتظار المنقذ وجاء زمان المشاركة والمسئوليّة، فليسأل كلّ واحدٍ منّا ما هو دوره وما هي إضافته؟ بدلاً من أن ينتظر من شخص واحد الكمال أو المسئوليّة الكلّية، فأهل السودان رضعوا دهوراً عديدة من ثدي التّواكل على شيخ القبيلة أو شيخ الطريقة، ومُرِدوا على الاختلاف ينتقدون عمل الآخرين مهما علت قيمته ولا يمدّون يدهم بمساعدة ولا يكفّون أذى ألسنتهم. أنظر كم من الأحزاب وكم من القبائل تملأ الساحة قلوبهم شتّى ولا يوجد فيها من يوقد شمعة أو يهدي طريقاً.
الأولى أن تنتهي هذه الفوضى، التي أفرزتها عهود الدكتاتورية، وتنظم الأحزاب في أربعة أو خمسة، بناءً على ما يجمعها فكراً، لا طائفة أو قبيلة أو جهة، لتمثّل طيف الشعوب السودانية من يمينها مروراً بوسطها وانتهاء بيسارها. وينبغي أيضاً أن يراجع قانون تكوين الأحزاب ولا يسمح لحزب أن يسجّل ما لم يقدّم رؤية وبرامج وهيكلة واضحة، وألا يقل عدد أعضائه المسجلين والدافعين لاشتراكاتهم عن مائة ألف مواطن أي من المواطنين وهذا الرقم مبني على التوزيع الطبيعي للمجتمع وهو يمثل أقل نسبة من القادة. 0.25%
هذا الرقم لربما يجد معارضة قويّة لأنّه سيكون سبباً رئيساً لاختفاء الأحزاب العتيقة التي تعتمد على الطائفية الدينية أو الأيديولوجيات المستوردة، ولا تعتمد على أعضاء الحزب المسجلين. وأيضاً سيضمن تمويلها، والذي سيُدعم من الدولة، حتى ينتفي الارتهان للجهات الخارجية. ويمكن لهذه الأحزاب أن تتحول إلى منابر سياسية أو منظمات مجتمع مدني إذا أرادت وليس هناك ما يمنعها من الترشح في الانتخابات.
ويجب أن يراجع أداء الأحزاب سنويّاً لتقييم تطبيقها للديموقراطية، والشفافية، ونشاطها الاجتماعي، ومعرفة مصادر التمويل، وحينها ستختفي معظم الأحزاب ويسود الساحة النظام المنشود. وسيتشكّل النسيج الاجتماعي بطريقة أرقى وأنفع يرفعه من ذهنية القبلية إلى ذهنية الشعب، إلى أن يكتب الله لنا تكوين الأمّة السودانية التي ستأخذ ثلاثة أجيال من الآن لتكوين حاضنتها.
إنّني أدعو الجميع لإعمال الفكر تكريماً للعقل الذي ميّز به الله الإنسان وبه كلّفه، وهذا يعنى أن نستخدم فضيلة التّفكّر بدلاً عن الانفعال، فبينهما فرق لا يدركه إلا أهل البصيرة. فالعقل هو أداء الشيء بصورة صحيحة والحكمة هي اختيار الشيء الصحيح ووضعه في موضعه الصحيح.
والرؤية عمل واجتهاد فكرىٌّ، ولكن عمل الفرد لا يكفي، ولا ينبغي له، والبيت لا تُقيمه طوبة واحدة. فإذا ما استخدمنا آلة العقل وحلّلنا الأسباب، وحدّدنا العلل يتبقّى الحلّ. فما الرؤية إلا كمثل تصميم للمنزل يتبعه حفر للأساس وبناء وتوصيل للماء والضياء وما شابه، فإذا ما ذهبنا لمهندس معماري وطلبنا منه تصميماً لمنزلٍ فنحن لن نطلب منه أن يبنى بيتنا بلا مقابل!
نخلص من ذلك أنّ للكلّ دور لا يقوم البناء بدونه فلا يحقّرنّ أحد من المعروف شيئاً.
والرؤية تمهّد أيضاً لطريق ثالث يقوم على أساس المحبّة لا الكراهيّة، وعلى قيم التسامح لا الانتقام، فالمحبّة والتسامح يبنيان، والكراهية والانتقام يهدمان، والبناء يأخذ دهراً والهدم يأخذ لحظة، ودليل ذلك قوله تعالى:
"وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ "
فالعداوة تولِّد عداوة أخرى ولكن هذا لا يعنى عدم رفع الضرر، وجبر الضرر وإرجاع الحقوق لأهلها.
ومن أساسيّات الطريق الثالث البعد عن مفهوم من يحكم السودان واستبداله بمفهوم "كيف يُحكم السودان؟". وهذا يعني التعويل على الفكر لا الزعامة، وعلى البرامج والمشاريع لا الخطابة والوعود، وعلى التراضي لا القهر، وعلى الشراكة لا التّبعيّة أو الطاعة العمياء أو الأجر.
وهو يعني الاستبدال لمفهوم القيادة من أحاديّة لتشاركيّة ومتساوية في الحقوق ومتفاوتة في الواجبات والمسئولية، يفعل فيها الحاكم ما يقول، ويُعلى من قيم النزاهة والشفافيّة والعفّة لشخصه وأهله ومن قيم العدالة الاجتماعيّة للغير حتى يكون أحرص على مصالحهم من ذوي القربى.
هذا الطريق المستقيم على المبادئ ينقل الديموقراطيّة من مفهومها السياسي لمفهومها الاجتماعي فلا يكون همُّ الحاكم السعي للسلطة والتّسلّط ولكن للخدمة، فسيّد القوم خادمهم، فما الذي يريده المحكوم من الحاكم سوى الحريّة والاحترام والأمن، والعدالة والكرامة في المعاملة، وشربة ماء نظيفة، ولقمة عيش حلال طيّبة، وجرعة دواء لسقمه، ومقعداً لدرسه، وثوباً يكسوه، وبيتاً يظلّه، ودابّة تنقله بلا رهق؟ بالله عليكم إن توفّر كلّ هذا فمن الذي سيهمّه من الذي سيحكم إلا أصحاب النفوس المريضة؟
الطريق الثالث لا يميل يميناً أو يساراً وإنمّا يجلس حيث السواد الأعظم من أهل السودان، يؤمنون بالله وبالوطن، لا تهمّهم الأيديولوجيات أو العصبية. وهو ينبّه الكل إلى أنّ الوطن لن يقوم بغير نسق يحفظ النظام، ويبني المؤسسات، والتي لا يبنيها إلا أهل البلد العقلاء والعاقلات، والحكماء والحكيمات، والحصفاء والحصيفات، الذين يحترمون القانون وأوّل من يطبّقونه عليهم هم أنفسهم وأهل دارهم، فبغير ذلك لن تقم مؤسّسات أو مؤسّسيّة؛ فدولة القانون هي دولة المؤسسات. أمّا أشكال الحكم وهياكله فيتمّ بالتراضي ويُعدَّل بالتجربة والتعلّم من تجارب الآخرين.
الذي سيقود السودان يجب أن يملك رؤية واضحة واقعيّة، وخططاً وبرامجاً ذكيّة مبنيّة على دراسة احتياجات المواطن، ومشاريع مفصّلة تقوم على حقائق العلم، معروفة الموارد، ومهضومة التفاصيل بعد تشاور مع أبناء وبنات الوطن، ذات آجال معروفة ومُحدّدة، وذات قيادة حكيمة خبيرة مشهود لها بالكفاءة التي تحدّدها الانجازات. والقائد هو من يشعل حماسهم للتغيير ويوظّف طاقاتهم لما فيه منفعة العباد والبلاد.
الطريق الثالث يُنبِّه أهل السودان إلى أنّ سمعة السودان وصورته ارتبطت في ذهن العالم بالحروب والفوضى والمسغبة، وعليه يطلب تكاتف الجميع لتصحيح هذه الصورة السالبة واستبدالها بصورة جذّابة تعكس تاريخ السودان وجمال أهله وفضل أخلاقهم.
الطريق الثالث يدعو للنظر في أولويّات الوطن وأوّلها إفشاء ثقافة السلام، وتأمين العيش الكريم، ورتق النسيج الاجتماعي، وحسن إدارة التّنوّع، وتلاحم الشعوب وبناء الأمّة السودانيّة، ويدعو أيضاً للتنمية الشاملة المستدامة النامية والمرنة، وجودة التّعليم وخدمات الصحّة المتاحة، والتقنية ونوعية البحث العلمي والثقافة العميقة الخلاقة استثماراً في المواطن صغيره قبل كبيره.
هذه الرؤية طموحة، وهكذا حال الأعمال العظيمة، وقد قيل اطلبوا المستحيل لتنالوا الممكن. هذه الرؤية تحتاج إلى سواعد وعلم وخبرة كلّ فرد مِنَّا يحلم بيومٍ يصحى فيه آمناً في سربه، معافىً في جسده، ضامناً قوت يومه من غذاء جسد وعقل وروح وهواء حريّة، فإن كنت ممّن لا يألون جهداً في التضحية للوطن وحبّه فهذا النّداء موجّه إليك.
إن كنت تحمل علماً أو خبرة أو طاقة أو إبداعاً، وتريد أن تشارك الآخرين شرف العمل والبناء، ناظراً للمستقبل، ومدركاً للواقع، ومؤمّلاً في الأفضل فاتّصل أو اتّصلي بنا لنبدأ رحلة البناء بعيداً عن الخطابة والشعارات وأغلال الماضي، فالرحلة تبدأ بخطوة واحدة وأحلاها خطوة الطفل الأولى.
+++++
ودمتم لأبي سلمى



رد مع اقتباس