|
|
المنتدى :
منتدى السياسة والفكر والأدب
"واجعاني جرية نمر" 1 – 5 ------ منصور محمد أحمد السناري
بتاريخ : 05-02-2017 الساعة : 05:39 AM
"واجعاني جرية نمر" 1 – 5
منصور محمد أحمد السناري
"واجعاني جرية نمر" 1 – 5
منصور محمد أحمد السناري
"نحنا أولاد جعل نقوم على كيفنا، و نقعد على كيفنا،"
"نحنا الفوق رقاب الناس، مجرب سيفنا"
+++++
"أرجوزة شعبية"
العبارة أعلاه، والتي جعلناها عنوانا لهذا المقال، وللسلسلة اللاحقة من حلقات هذا المقال، هي العبارة التي تفوه بها زعيم السعداب من قبيلة الجعليين/ عبد الله ود سعد إبان ما عرف تأريخياً بمذبحة المتمة، أو "كتلة المتمة"، كما ينطقها العوام، و ذلك عندما نصحه البعض من قومه و أنصاره و أصدقائه بأن يستجيب لأمر رئيس الدولة آنذاك الخليفة عبد الله، و يخلي المتمة لجيش محمود ود أحمد، و هو متجه شمالاً لملاقاة جيش الاحتلال الإنكليزي. و قد أوردها أستاذ التاريخ الراحل البروفسير/ محمد سعيد القدال في تقصيه البريع لتلك المذبحة في سفره القيم المعنون ب "تأريخ السودان الحديث."
و يتناول هذا المقال، و حلقاته اللاحقة، بالسرد التوريخي (بالمناسبة صحيحة في لغة العربان، فيمكن أن نقول تأريخ و توريخ، و أرخ و ورخ)، و التحليل و المراجعة و المساءلة، واقعة هروب المك/ نمر إبان ما عرف بالغزو المصري التركي، وعقابيلها اللاحقة، و ذلك ليس تشفياً، أو شماتة، أو نكأً للجراح، و إنما بغرض امتلاك وعياً، و علماً أفضل بتلك المذبحة. و يرى الكاتب أن واقعة حرق إسماعيل باشا من قبل المك نمر، و من ثم هروبه جراء ذلك، قد اعتقلت العديد من أفراد قبيلة الجعليين، و "المتجوعلين" في أضابيرها، كما يقول الإنجليز، بحيث أصبح سلوك العديدين منهم، يمكن تفسيره على ضوء تلك المذبحة، و ألقت بظلال كثيفة على تأريخ الجعليين، والسودانيين، وواقعهم الماثل. وهي دعوى للمراجعة، والمساءلة التاريخية، كوسيلة للإصحاح السايكولوجي، و الأنثروبولوجي، الفردي و الجماعي، حتى يتحرر السودانيون من ثقل التاريخ، و ذلك بحكم تأثير قبيلة الجعليين الكبير على مسار السودان. فصحيح قد حدثت المذبحة كواقعة تأريخية، و انتهت، و لم يشهدها الكثير من سكان السودان المعاصرين، إلا أن رواسبها الثقافية، قد أصبحت مثل رواسب ثقافة الرق، ما زالت تفعل فعلها في واقع السودانيين المعاصر. و يمكن فقط بقليل من النظر إلى سلوك الرئيس/ عمر البشير، و الذي يسافر بمناسبة، و بدون مناسبة، فقط من أجل تحدي المحكمة الجنائية الدولية، بالرغم من أن عمر البشير ليس جعلي "صليبة" كما تقول العرب، و إنما منسوب إلى الجعليين من خلال أمه/ حاجة هدية. و سوف ندع كل ذلك إلى حين نأتي لتحليل المذبحة لاحقا. و سوف نتناول انعكاسات تلك المذبحة، و رواسبها فيما بعد خلال هذه الحلقات، و نبدأ بسرد الواقعة التاريخية أولاً، كما وردت في الكثير من المرويات التاريخية.
و مذبحة المك نمر لإسماعيل باشا، كما ترويها العديد من المصادر التاريخية السودانية مثل: السودان عبر القرون، للدكتور/ مكي شبيكة، و تأريخ السودان الحديث، للدكتور/ محمد سعيد القدال، و جغرافية و تأريخ السودان، لنعوم شقير، و تأريخ السودان المعاصر، للبروفسير/ حسن أحمد إبراهيم (جعلي)، قد وقعت إبان فتح السودان من قبل الوالي التركي/ محمد علي باشا، و هو أصلاً ألباني الجنسية. و قد كان فتحه للسودان مقدمة للمشروع الكولونيالي الغربي، الذي دشن لاحقاً في مؤتمر برلين عام 1884م، من أجل تقسيم المستعمرات في آسيا و أفريقيا، و قد جاء المشروع الكولونيالي الغربي بدوره نتاج لحركة الاستشراق و الكشوف الجغرافية في القرن التاسع عشر.
و كما هو معروف، فقد بدأ إسماعيل باشا سيره من مصر شمالاً، متجها جنوباً نحو السودان عبر خط النيل، و الذي كانت تحكمه آنذاك ممالك قبلية، تدين بشىء من الولاء للسلطنة الزرقاء، و التي كانت عاصمتها سنار، فلم يعرف السودان الدولة المركزية القابضة، إلا في عهد محمد علي باشا. و قد سلم كل ملوك السلطنات القبلية شمالاً، و دانوا بالطاعة لإسماعيل باشا دون قتال: سلم الملك/ نصر الدين، ملك الميرفاب، و ملوك الشايقية الثلاثة: صبير، و شاويش، و عمر. و عندما لاحظت مهيرة بنت عبود ذلك، ارتجزت شعرا تحريضيا حارقا، و أطلقت زغرودتها، مستنكرة تسليم قومها رقابهم للباشا دون قتال. فألهبت حماسهم، و حملوا أسلحتهم التقليدية، و اشتبكوا مع قوات الفتح التركي المصري في معركة كورتي عام 1821م، و التي انتهت بهزيمتهم، و تسليمهم لإسماعيل باشا، بعد أن خلفوا وراءهم عدداً من القتلى بلغ حوالي 75 قتيلاً.
ثم اصطحب الباشا ملوك الشايقية الثلاثة (صبير، شاويش، عمر)، و عدد من أتباعهم من قبيلة الشايقية، و واصل سيره جنوباً لإكمال فتح مملكة سنار. و عند الوصول إلى شندي جنوباً، استسلم أيضاً ملكا الجعليين، نمر و مساعد، لإسماعيل باشا دون قتال، و من ثم اصطحبهما الباشا معه حتى شارف على دخول سنار. و قبل دخوله سنار، و التي استسلم ملكها/ بادي أبو شلوخ
( تصحيح السلطان بادي السادس) لإسماعيل باشا دون قتال، أطلق الباشا صراح كل من المك نمر و مساعد لكي يعودا أدراجهما إلى ممالكهما شمالاً.
و بعد إتمام الفتح، كر إسماعيل باشا راجعاً شمالاً إلى مصر لمقابلة والده/ محمد على باشا، و الذي كان يعد له احتفالاً، و تكريماً ضخماً لنجاحه الباهر في فتح السودان. و عند الوصول إلى شندي، استدعى ملكا الجعليين، نمر و مساعد، و طلب منهما مطالب قدرا بأنها كثيرة، و فوق طاقتهما، و احتج المك نمر على ذلك. و ما كان من الباشا التركي المتغطرس، إلى أن يصفع المك نمر بغليونه الذي كان يدخن من خلاله وقتها، و أمام أتباعه، و ربما أتبعها ببعض الشتائم العنصرية المقذعة. فعندها تظاهر المك نمر بالموافقة على تنفيذ مطالب الباشا، و لكنه أضمر شيئاً إدا. فأولم له، و أحضر الطعام و الشراب، و بقية ما لذ و طاب. و عندما دارت الكؤوس، و لعبت الخمر بالرؤوس، انهال المك نمر و أتباعه على معسكر الباشا، و تم إحراقه، و حاشيته تماما. و من نجا من النيران، اصطاده أتباع المك نمر بالفؤوس و الحراب في الخارج. و كانت تلك المذبحة بتأريخ 1822م.
+++
و في الحلقة القادمة، نتناول تداعيات المذبحة.
[email protected]
|
|
|
|
|