.::||[ آخر المشاركات ]||::.
كتب صديق عبد الهادي: بعض قضايا... [ الكاتب : عمر محمد الأمين - آخر الردود : عمر محمد الأمين - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 10164 ]       »     تنعي منتديات وادي شعير المغفور... [ الكاتب : عمر محمد الأمين - آخر الردود : عمر محمد الأمين - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 8973 ]       »     بمزيد من الحزن والأسى تنعى منت... [ الكاتب : عمر محمد الأمين - آخر الردود : عمر محمد الأمين - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 4279 ]       »     تنعي منتديات وادي شعير المغفور... [ الكاتب : عمر محمد الأمين - آخر الردود : عمر محمد الأمين - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 3966 ]       »     كتب صديق عبد الهادي: وما الذي ... [ الكاتب : عمر محمد الأمين - آخر الردود : عمر محمد الأمين - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 12860 ]       »     من الواتساب: أقوال منسوبة للشي... [ الكاتب : عمر محمد الأمين - آخر الردود : عمر محمد الأمين - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 4962 ]       »     تنعي منتديات وادي شعير المغفور... [ الكاتب : عمر محمد الأمين - آخر الردود : عمر محمد الأمين - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 4447 ]       »     الراكوبة: لجنة للتحقيق في بيع ... [ الكاتب : عمر محمد الأمين - آخر الردود : عمر محمد الأمين - عدد الردود : 2 - عدد المشاهدات : 9408 ]       »     الراكوبة: تكوين لجنة تمهيدية ل... [ الكاتب : عمر محمد الأمين - آخر الردود : عمر محمد الأمين - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 6933 ]       »     الراكوبة: محافظ مشروع الجزيرة ... [ الكاتب : عمر محمد الأمين - آخر الردود : عمر محمد الأمين - عدد الردود : 2 - عدد المشاهدات : 8774 ]       »    



الإهداءات

العودة   منتديات وادي شعير الأقسام العامة المنتدى العام

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

عمر محمد الأمين
:: عضو نشـــط ::
رقم العضوية : 3
الإنتساب : May 2010
المشاركات : 3,281
بمعدل : 0.65 يوميا

عمر محمد الأمين غير متواجد حالياً عرض البوم صور عمر محمد الأمين



  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : المنتدى العام
افتراضي مشروع الجزيرة أمانة في أعناق الاجيال القادمة (1)--- صلاح الباشا
قديم بتاريخ : 05-03-2018 الساعة : 08:03 PM

مشروع الجزيرة أمانة في أعناق الاجيال القادمة (1)

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

صلاح الباشا

من المعروف أن هنالك مجموعة من المشاريع الزراعية التي كان لها إسهامها الاستراتيجي في مسيرة الاقتصاد السوداني عبر تاريخه الحديث وتعتبر تلك المشاريع من أكبر المرتكزات الاقتصادية الصلبة في السودان بما تمتلكه من أصول ثابتة مرتفعة القيمة عبر كل الأزمنة ، إضافة إلي تراكم الخبرات الإدارية والفنية والحرفية التي كانت تضمها ، فضلاً علي ما ظلت تقدمه من خدمات اجتماعية للمجتمع الذي تتواجد فيه ، فتنهض تلقائياً بالأحوال المعيشية والصحية والتعليمية في ذات المناطق ، مما يقود إلي استقرار السكان في تلك المناطق الجغرافية المحددة . ويأتي - بالطبع-علي رأس تلك المشاريع مشروع الجزيرة وامتداد المناقل حيث يحتوي المشروع علي إثنين مليون فدان تستزرع بنظام الدورة الزراعية المعروفة، وكما يعلم العديد من أهل السودان أن هذا المشروع قد تم اختيار موقعه الحالي عن طريق شركة السودان الزراعية ( Sudan Plantation Syndicate) وهي شركة قد تم تسجيلها في لندن في بداية
عهد الإدارة الإنجليزية للسودان مع بداية القرن العشرين، أي منذ بداية الحكم الإنجليزي المصري للسودان بعد دخول حملة كتشنر والقضاء علي دولة المهدية في موقعة كرري عام 1898م وما بعدها ، حيث كانت التجارب الأولي لتلك الشركة هي زراعة القطن تحديداً ، وقد تمت تلك التجربة بعد عدة دراسات جغرافية وطبغرافية حيث كان الاختيار قد وقع علي قيام المشروع في منطقة الزيداب ( غرب نهر النيل) في قلب منطقة الجعليين بالشمالية ، غير أن الشركة الزراعية قد اكتشفت فيما بعد أن الرقعة الزراعية هناك ضيقة ومحدودة وغير قابلة للتوسع نظراً للامتداد الصحراوي الذي يحيط بمنطقة مشروع الزيداب من جهة الغرب ، وكانت الكمية المنتجة من الأقطان بمشروع الزيداب الزراعي لا ترضي طموح الشركة الزراعية ، فلم تكن تكفي حاجة المصانع الإنجليزية في لانكشير وليفربول وليدز حيث تتركز صناعة المنسوجات التي كانت بريطانيا العظمي تشتهر بها في أسواق العالم في ذلك الزمان فجاءت فكرة البحث حول نقل التجربة إلي منطقة الجزيرة المروية الحالية نظراً لاتساع الأراضي وانبساطها وخصوبتها وجودتها ، وهي كما نعلم ( تربة طينية) خصبة لوجودها بين النيلين الأزرق والأبيض، فضلاً علي وقوع الجزيرة المروية داخل حزام منطقة السافنا حيث يتوفر هطول الأمطار التي تستمر طوال فصل الخريف لفترة ثلاثة أشهر في السنة ، وأيضاً لتوفر إمكانية إنشاء سدود ( خزانات) لحجز المياه علي النيل الأزرق لخلق نظام الري الانسيابي ( ترع وقنوات) ، وهنا أتت الاستفادة من شيئين ، هما فتح ترعة رئيسية من الخزان ( في سنار) لتمر عبر أراضي مشروع الجزيرة كي تتفرع منها ترع وقنوات صغيرة لري الأراضي وتتوغل داخل الأراضي الزراعية (الغيط)، والشيء الثاني هو لتوليد الطاقة الكهربائية المائية من خزان سنار ، ومن المعروف أن الطاقة المائية هي من أرخص أنواع الطاقة في العالم .
تأسس المشروع وتم افتتاحه رسمياً في عام 1925م بعد اكتمال إنشاء الخزان في سنار والانتهاء من حفر الترع والقنوات الفرعية (أبوعشرينات) وإقامة القناطر الصغيرة لحجز المياه وفتحها عند الحاجة لري الاراضي، وتم التخطيط لتأسيس التفاتيش والأقسام وبناء كل مستلزمات العمل من مساكن للعاملين بمختلف أحجامها وإنشاء المخازن والورش والمحالج الضخمة في كل من مارنجان والحصاحيصا ، ثم الباقير في وقت لاحق ، كما تم تأسيس أحدث شبكة نقل داخلي لترحيل الأقطان من الغيط ( الحواشات) إلي منطقة المحالج عن طريق تخطيط قيام أكبر شبكة نقل بضائع محلية في أفريقيا وهي (سكك حديد الجزيرة- الترماي ) تتبع للمشروع فقط وتم استجلاب القاطرات والمقطورات المسطحة التي تنقل جوالات القطن من الغيط للمحالج تفادياً للترحيل باللواري المكلفة اقتصاديا ، كما تم تأسيس محطة الأبحاث الزراعية في ودمدني لتناط بها المهام العلمية والبحثية في تحسين البذور والتقاوي لبذرة القطن علماً بأن البحوث الزراعية كانت في سنوات المشروع الأولي هي التي تقوم بكامل العمليات الزراعية قبل إنشاء الإدارة الزراعية بالمشروع
، وبمرور السنين أصبح مشروع الجزيرة من أكبر مناطق جذب العمالة في السودان من كل القبائل خاصة من أهل شمال السودان ، كما جذب إليه مختلف تخصصات أبناء العاصمة المتعلمين ، بل أصبح منطقة جذب للعمالة الأفريقية من عدة دول مجاورة لعمليات الزراعة ولقيط القطن ، ولقد كان أهل شمال السودان هم العماد الأساسي لعمليات الإنتاج بالمشروع ، ومن هنا أتت أهمية محصول القطن كمحصول نقدي اشتهر به السودان في منظومة التجارة الدولية وقد كان يسمي بالذهب الأبيض ، وأصبح صادر القطن لوحده يشكل ثمانين بالمائة من دخل البلاد من العملات الأجنبية ولمدة ثمانين عام متصلة ،فضلاً علي التطور الذي رافق توسع المشروع عاماً إثر عام مع تطور وسائل الحياة الاجتماعية بكافة اشكالها لسكان الجزيرة والمناقل ،مثل حفر الآبار الارتوازية ونقاط العلاج في الشفخانات ومراكز تعليم الكبار ورياض الأطفال والأندية الرياضية والاجتماعية في كل قري الجزيرة وحملات مكافحة الملاريا طوال السنة وحملات التطعيم الإجباري ضد الأمراض المعدية حيث يوجد مجتمع المزارعين .
كل تلك المنجزات كان يقدمها المشروع من صافي عائدات القطن عن طريق إدارة الخدمات الاجتماعية بالجزيرة حيث كانت تخصص لها نسبة معينة (إثنين بالمائة) من ناتج أرباح بيع القطن. ... نواصل ،،،،،
+++
[email protected]



عمر محمد الأمين
:: عضو نشـــط ::
رقم العضوية : 3
الإنتساب : May 2010
المشاركات : 3,281
بمعدل : 0.65 يوميا

عمر محمد الأمين غير متواجد حالياً عرض البوم صور عمر محمد الأمين



  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : عمر محمد الأمين المنتدى : المنتدى العام
افتراضي مشروع الجزيرة ... امانة في أعناق الأجيال القادمة ( 2 ) صلاح الباشا
قديم بتاريخ : 05-11-2018 الساعة : 08:37 AM

مشروع الجزيرة ... امانة في أعناق الأجيال القادمة ( 2 )

صلاح الباشا
++++
صلة لما نشرناه في الحلقة الماضية عن كيفية إنشاء الشركة الزراعية والتي تحولت إلي مجلس إدارة شروع الجزيرة في العام 1950 م.. لعل العديد من الناس لا يعلمون ما كان يقدمه مشروع الجزيرة لمجتمع الجزيرة والمناقل العريض قبل انهياراته في السنوات الأخيرة ، فضلاً علي أن آثار نجاحاته الجانبية الأخرى كانت تتمثل في انتعاش الأسواق المحلية بمدن وقري المشروع العديدة، وما رافق ذلك من قيام صناعات وطنية هامة تعتمد علي الخام الزراعي الناتج من محاصيل المشروع:
• كصناعات النسيج (مجموعة مصانع شرف العالمية)
• ثلاث مصانع غزل ونسيج في مارنجان
• ومعاصر للزيوت والصابون،
• ثم مطاحن الغلال بعد التوسع في إدخال زراعة القمح في النصف الثاني من القرن العشرين،
• وقيام مصانع نسيج الصداقة في الحصاحيصا
• وغزل الحاج عبدالله
• وغزل سنار،
• وقيام صناعات غذائية في مدني والمناقل وسنار،
فضلاً علي إتباع نظام الدورة الزراعية الذي يتيح للمزارع زراعة المحاصيل الغذائية والخضروات والبصل والفول، وهي محاصيل جانبية ولكنها مهمة للمزارعين ويدخل عائدها كاملاً ومباشرة إلي جيب المزارع وأسرته، فضلاً علي توفر الأعلاف الزراعية للحيوان في كل قرى الجزيرة .
ولذلك ، فإن الشركة الزراعية في الجزيرة كانت تقوم بأدوار هامة في الاقتصاد الوطني بالسودان عبر مسيرتها منذ عهد الإدارة البريطانية إلي أن تم تأميمها وتحويلها إلي مؤسسة وطنية مائة في المائة في عام 1950م فسميت بمجلس إدارة مشروع الجزيرة بالسودان، حيث كان أول من ترأس مجلس إدارة الجزيرة المرحوم عبد الحافظ عبدالمنعم محمد ، كما كان يحتل منصب المحافظ بعد رحيل الإنجليز الراحل السيد مكي عباس خلفاً لآخر محافظ إنجليزي وهو المستر جيتسكل المشهور جداً لأنه كان قد تدرج في خدمة الجزيرة منذ أن كان خريجاً شاباً عمره 22 عاماً في عام 1930 حين أتى من لندن حتي مشارف الاستقلال في عام 1956م ، حيث عمل جيتسكل عند تعاقده من لندن مع الشركة الزراعية للعمل بالجزيرة مبتدئاً من وظيفة صراف صغير بالغيط وظل متدرجاً في الوظائف المختلفة عبر السنوات الطوال حتي وصل لدرجة محافظ لمشروع الجزيرة.
ولقد ذكرنا كل هذه المقدمة الطويلة عن هذا المشروع حتي تدرك الأجيال الجديدة ما كانت تقوم به الزراعة في هذا الوطن العزيز من أدوار في مسيرة الاقتصاد السوداني حتي وصل عائد البلاد من الناتج الزراعي وحده في بعض المواسم الزراعية إلي قرابة المليار دولار في السنة، ولقد كانت أقل سنوات المردود الزراعي في عام 1989م ( قبل الإنقاذ) حيث وصل الناتج الزراعي لوحده إلى ستمائة مليون دولار تقريباً ( أي تعادل نصيب السودان من إنتاج البترول في بداياته الأولي) . لذلك كان مشروع الجزيرة فيما بعد هو القدوة لقيام مشاريع حكومية صغيرة مثيلة له كمشروع الرهد ومؤسسة حلفا والسوكي كي يزيد الناتج الزراعي للتصدير ولتستقر الحياة الاقتصادية لسكان تلك المناطق .
وعند إتباع سياسة التحرير الأخيرة في منتصف عهد الإنقاذ الحالي، كانت من أكبر أخطائها تجاهل هذا المشروع بتقليل مساحات القطن فيه إلي أقل قدر وبنسبة انخفاض وصلت إلى سبعين بالمائة في المساحة، واستبدلت تلك المساحات بتوسيع زراعة القمح الذي له مخاطره الأخرى، فهو محصول مكلف ويحتاج إلى مناخات شتوية محددة التوقيت وغير متقلبة (كمناخات وسط السودان) حسب رأي الخبراء في هذا المجال، والقمح أصلاً عالمياً يعتبر متوفراً ومن أرخص المنتجات المطروحة في السوق العالمي وليس بالسلعة النادرة مثل القطن، ولا ندري حتي اللحظة من هو هذا الفيلسوف صاحب المشورة المدمرة الذي أدار عجلة الزمان بالجزيرة سبعين عاماً إلى الوراء بسبب الخوف من قيام حصار اقتصادي دولي علي السودان كانعكاس لتداعيات أزمة الخليج الثانية في عام 1990م وما بعدها، حيث اشار بتقليص مساحة زراعة القطن من مليون فدان إلى مائة ألف فدان فقط في معظم السنوات الأولى للإنقاذ ، مع اتساع مساحات القمح الذي كان وبالاً علي الدولة والمزارع علي السواء، فإذا بكل دول العالم تسارع في إرسال إنتاجها من سلعة القمح والدقيق الفاخر إلي السودان بأرخص الأسعار، مما أدى إلي كساد القمح السوداني الرديء والمكلف جداً للخزينة العامة، وبدأ بذلك انسحاب السودان من معظم أسواق القطن والغزول العالمية ، وقد اتجه وقتها الغزالون العالميون في غرب العالم وشرقه إلى مناطق أخرى من الكرة الأرضية للبحث عن دول بديلة تغطي حاجاتهم من الأقطان طويلة التيلة وقصرتها، فبدأ العد التنازلي لهذا المشروع العملاق وتعطلت حركة الأبحاث الزراعية وتم إبعاد كل الكفاءات المتميزة بالمشروع بالكامل وتم إتباع سياسة القفز بالعمود في إدارة المشروع، واستشري التخبط وسط الإدارة التي ظل يتبدل مديروها كل سنة أو سنتين من عديمي الخبرة العريقة بعد أن استغني المشروع من كل الجيل الخبير في شتى أقسامه منذ سنوات الإنقاذ الأولى، فالكل كان يريد تكبير كومه من السلطات وحدث التضارب الإداري في القرارات، وتقلص دخل صادر القطن من مئات الملايين من الدولارات إلى سبعين مليوناً فقط في عام 1999م إلى أن إنهار المشروع بالكامل بعد أن ظلت وظيفة المدير العام يتم التعيين لها من أصحاب الولاء - عديمي الخبرة - من خارج إطار المشروع، وكلهم قد فشلوا فشلاً بائناً في إنقاذه مما دعا أصحاب الخصخصة والتحرير في المركز لتكوين اللجان لدراسة إمكانية خصخصة وبيع هذا المشروع العملاق ( بأثمان بخسة) كما تعطلت إثر ذلك كل المصانع المحلية التي كانت تشتري موادها الخام من أقطان مشروع الجزيرة وتحولت تلك المصانع إلي ماكينات هامدة وتشردت العمالة وأصبح سكان ولايات الجزيرة وحيواناتهم يتسولون لقمة العيش من خشاش الأرض ومن دواوين الزكاة ومن تحويلات المغتربين الذين هربوا من البلاد زرافات ووحدانا بعد أن سدت كل سبل الكسب أمامهم وهم يرون أهليهم تسوء أحوالهم المعيشية، ورغم ذلك فإن البنوك الإسلامية بمرابحاتها العالية الفائدة التي تقارب الخمسين في المائة من أصل القرض في ذلك الزمان قبل ظهور النفط بالبلاد قد ساعدت في عملية إعسار ثم إفلاس قطاعات هامة من المزارعين الذين باع معظمهم أصوله الإنتاجية القديمة كاللواري والجرارات، وبعضهم باع منازله المرهونة للمصارف، فأصبحت سياسة التحرير هذه قد أضرت بقطاعات هامة من جماهير الشعب السوداني بعد ان كانت كل حياتهم تسير في تناغم وتؤدة ونجاحات معقولة وسترة حال عبر عشرات السنين، ولم نشهد في تاريخ السودان كله أن قام الناس ذات يوم ببيع كل أشيائهم الجميلة والعريقة ومعها ذكرياتهم الحلوة خلال سنوات محدودة إلا في عهد تحرير الاقتصاد هذا الذي رافقته حملات دعائية كانت تشعرك بأن السودان سيكون جنة الله في الأرض بعد خمس أو ست سنوات، فإذا بالسنوات العجاف تتزايد سنة بعد أخرى، وإذا بفلاسفة تلك السياسة التحريرية يصمتون صمت القبور ويشغلون أنفسهم باختراع مؤسسات أخرى لعلها تقنع الشعب في الداخل والعالم الحر بالخارج بأن بلادنا أيضاً تستطيع دخول عالم التجارة التقنية الحديثة من بيع أسهم وسندات وأسواق مالية ومضاربات، ناسين أن السودان واقتصاده المنهار لا يمكن أن ترتفع فيه أسعار اسهم أو سندات لمؤسساته المصرفية المفلسة حيث ظلت تختفي مصارفه ومؤسساته المالية من الوجود الواحدة تلو الأخرى شأنها في ذلك شأن البقالات التي تغلق أبوابها بسبب عدم وفاء الزبائن بسداد مديونياتهم، ولنا أن نراجع الأداء المالي لأي مصرف سوداني خاص وهي كثيرة العدد لنرى كم هي الأرباح التي تحققت للمساهمين في العشرة سنوات الأخيرة، لا شيء، فتات فقط .. نعم فتات فقط... أي والله..
ورغم ذلك لايزال البعض يتشدق بعبارات (أسلمة البنوك) ذات الفائدة التي تصل إلى خمسين بالمائة من أصل القرض، (نذكر هنا أن فائدة البنوك قديماً كانت عشرة في المائة فقط)، وكل الذي تغير أننا أبدلنا كلمة قرض إلى مرابحة فأصبح الأمر (أسلمة البنوك) وهو مجرد شعار فضفاض فقط، ثم رفعوا نسبة الفائدة احتراماً لكلمة أسلمة هذه فقط، وهذا رعب فكري أصولي بائن، والنتيجة كانت كلها إعساراً في سداد المرابحات، وحصل ما حصل لعملاء المصارف.
لذلك نقول أن تحرير الاقتصاد إذا لم يرافقه تحرير لإرادة الناس وفتح المجالات الفكرية لإسهاماتهم فإن الموقف سيكون (مكانك سر)، وهذه طبعاً أفضل من (إلي الخلف دور) التي حدثت للاقتصاد السوداني عبر سنوات تحرير الاقتصاد، إذ لا زلنا نأمل في أن يعاد النظر في مسألة إعادة الحياة لمشروع الجزيرة، وذلك لسبب بسيط لا يخفى علي الإدارة الاقتصادية التنفيذية بالبلاد، وهي أن هذا المشروع به من الأصول الثابتة ما لا يحتاج بعده إلي إي إضافات أصول أخرى لمدة خمسين سنة قادمة علي الأقل، فهنالك قيمة أصل خزان سنار ولا نحتاج بالطبع إلي قيام خزان آخر لري أراضي المشروع تحديداً، وهنالك وجود الأراضي نفسها كأصل قوي وثابت بذات تقسيماتها وتفاتيشها، مع توفر مؤسسة أعمال الري بكل آلياتها الضخمة وخبراتها المعطلة، ووجود قنوات الري والترع والتي تحتاج إلى تنظيفها فقط من الحشائش، فلا نحتاج إلي إنشاء تفاتيش جديدة او شق قنوات جديدة في نظام الري، وهنالك المكاتب والمساكن والمخازن والورش التي تغطي كل أقسام الجزيرة والمناقل، وهنالك هناقر المحالج الضخمة في مارنجان والحصاحيصا والباقير، وهنالك أصول رئاسة المشروع في تلك المنطقة الاستراتيجية الهادئة الجميلة (بركات)، وهناك أسطول قاطرات ومقطورات سكك حديد الجزيرة التي تنقل الإنتاج من الغيط إلي المحالج والتي للأسف قد استعجلوا في بيعا كخردة، أي نعم (خردة)، وهناك إدارة ومعامل وأراضي البحوث الزراعية بودمدني بكل علمائها وإدارييها المتفانين، وفوق ذلك هناك الإنسان المزارع والإنسان الإداري والإنسان الزراعي والإنسان الفني، وهناك العامل المتخصص في كل أمور وخبايا ومعدات هذا المشروع، وفوق ذلك هنالك القدرة الإلهية التي أبعدت شبح فكرة بيع المشروع في سنوات عتمة سابقة وحفظته للأجيال القادمة، فماذا يتبقى إذن كي نعمل لإعادة الحياة لتوظيف تلك النعم والموارد المعطلة التي تبلغ قيمتها السوقية الآن مئات المليارات من ( الدولارات).
إذن المسألة لا تستدعي الهروب والالتفاف حول هذا الأمر، ولا أدري كيف كانت لجنة الخصخصة التي تم تكوينها في السنوات الماضية تستطيع أن تجد مستثمراً لديه ما يقارب الخمسمائة مليار دولار وهي القيمة التقديرية لأصول هذا المشروع المذكورة سابقاً، كيف كانت خطة الخصخصة ستسير وماهي الجهات المحلية أو حتي الدولية التي تتوفر لديها مثل هذه القدرات المالية العالية لكي تشتري هذا المشروع، أم أن المسألة سوف تسير علي نهج بيع المؤسسات المالية الرابحة مثل بيع البنك التجاري المتميز إلي بنك المزارع الخاص بأبخس الأثمان، وبأغرب عملية بيع، وقد كانت كالتالي: لم يقم بنك المزارع بدفع قيمة الشراء في وقتها فوراً ونقداً في عام 1991م، بل كلنا يعلم بأن عملية السداد قد تمت من واقع عمليات ونشاط البنك التجاري القديم بعد عدة سنوات لاحقة (في عام 1997م) مع ملاحظة انخفاض أسعار الصرف خلال تلك المدة لأن البيع لم يتم بعملة الدولار (تصور؟)، أي تم بيع البنك وتم تركه يعمل كي يسدد ثمن أصوله للحكومة، أي بعد أن حقق البنك أرباحاً عالية بموقفه المالي القوي وبأرباح معاملاته المصرفية لمدة سبع سنوات لاحقة، ثم قام بعدها بسداد قيمة الشراء إلي بنك السودان دون تعديل في قيمة سعر البيع المقررة في عام 1991م رغم انهيارات الجنيه المتلاحقة ، أي أن مساهمي بنك المزارع لم يوردوا قيمة الشراء إلي خزانة الدولة نقداً ومقدماً عند استلامهم للبنك التجاري في عام 1991م، وهذه لعمري أغرب طريقة للبيع وهي أن تبيع نفسك للغير وأن تعمل سبع سنوات إضافية لتحقق أرباحاً لكي تتمكن من سداد قيمة بيع نفسك للغير من أرباحك المحققة، وهي تذكرنا بزمن تجارة الرق حيث يظل الرقيق يعمل عند مالكه حتي يتمكن من سداد المبلغ المتفق عليه لكي يتم عتقه بعد ذلك فهي أشبه بهذه المسألة تقريباً وهذا شيء مقلوب تماماً في عالم التجارة مائة في المائة، ولكنه الفساد المصاحب لجبروت السلطة وقتذاك، وهي نتاجا لفلسفة التحرير الهوجاء والخصخصة وفوضي المتابعة والانشغال بالفعل السياسي الهتافي الخطابي فقط، فضلاً عن قرار بيع مؤسسة حكومية مصرفية ناجحة كالبنك التجاري الذي يعتبر من أميز البنوك في تاريخ السودان الحديث وله تقاليد تجارية راسخة وعملاء متميزون راسخون في الحركة التجارية السودانية ، فقد اختفي البنك التجاري العملاق إلي غير رجعة ودخل بكل نجاحاته إلي بطن بنك جديد خاص يحمل اسم المزارع ( بالعافية) والذي لم يسهم مطلقاً في حركة الاقتصاد الزراعي والوطني بعشرة في المائة مما كان يقوم به البنك التجاري الذي ( ذهب مع الريح).
لذلك فإننا نتحدث بإصرار شديد في أن مسألة تحرير الاقتصاد وخصخصة مشاريع وبنوك الدولة رغم صحة نظرياتها من الناحية الفنية البحتة، إلا أن تطبيقاتها كانت كلها تنم عن انعدام خبرة في العمل الوطني السوداني، وعن قلة تجربة في العمل الديواني، حيث لاحظنا أن هنالك أسماء معينة ظلت ولمدة عشره سنوات تتنقل في نفس وظائف مديري البنوك التجارية والزراعية، فيتم تحريكهم من بنك إلي آخر كل فترة، مثل تغيير مدرب الكرة لخانات اللاعبين داخل الملعب مع الحفاظ علي نفس التشكيلة، وبالتالي لا يحدث استقرار إداري في البنك المحدد والتجديد في سياساته كي يتطور ويصمد، وذلك بسبب تقلب السياسات وتبدل المهارات ،مما أدخل اقتصاد البلاد بذلك في حقل تجارب ظللنا ندفع ثمن إخفاقاتها المتواصلة فقراً ومرضاً وجوعاً ومهددات للهوية تطل برأسها من وقت لآخر، وغادرتنا إلي غير رجعة كل قيم وتراث التسامح السياسي والتكافل الحياتي في المعاش والحاجات، وافتقدنا معظم مكونات استمرارية مشروعاتنا الزراعية الضخمة، وانهارت الخدمة المدنية التي اشتهر بها السودان بين الشعوب، وهاجرت العقول المتميزة المبعدة من الخدمة تلعق جراحاتها الغائرة وتتذوق مرارة العلقم إلى مهاجر بعيدة تستصعب العودة بعدها. ومنهم من بحث عن اكتساب جنسيات أخرى فوجدوها علي طبق من ذهب في العالم المتقدم الذي يعرف قيمة الإنسان ...فتأمل!!!
ولكن رغم ذلك يبقي الأمل متقداً في نفوسنا وسنظل نتفاءل بالخير حتي نناله، ولا نملك إلا أن ندعو الله أن يحفظ سوداننا الحبيب من كل شر وفتنة وأن يهدي كل قادتنا إلي سواء السبيل، وأن يعم السلام الذي غاب طويلاً كل أرجاء البلاد، وأن تعود لمجتمعنا مرة أخرى كل قيم التسامح والأدب الرفيع والتعامل الراقي بين كل فئاته، وأن تنتصر قيم الحق والجمال وأن تندحر وتغادر إلي غير عودة كل مشاريع الظلام وأجندة الحرب، وحينذاك سنجد كل أسراب الطيور التي ارتحلت بعيداً جداً ولسنوات طويلة قد حزمت حقائبها لتعود إلي مراتع صباها لتجدد ذكرياتها رغم مرحلة كهولتها فتعود وفي معيتها كل تجاربها الثرة وكل أجيالها الجديدة التي ترعرعت بالخارج بكل ما اكتسبته تلك الأجيال من علم حديث ومن تقنية متقدمة ومن
أفق متسع ومتقدم كاتساع بلادنا الشاسعة كي يحدث تواصل وتوارث للخبرات والتجارب في شتي الميادين مرة أخري بعد هذا الانقطاع الطارئ رغم طول مدته، وعند ذلك... ستتفتح ملايين الزهور في أرض بلادنا بعد أن أصابها الذبول زمناً ليس بالقصير .
وختاماً… نأمل بأن يكون هذا الجهد المتواضع قد فتح المجال واسعاً كي يسهم أهل السودان بإبداء ملاحظاتهم حول الأداء الاقتصادي في بلادنا طالما كان أمر الاقتصاد يهمهم كلهم وليس الجهاز الحاكم فقط، حتى لا تتكرر تلك الأخطاء القاتلة مرة أخري ، وحتي نستطيع إبعاد شبح المعاناة التي واجهتها جماهير شعبنا، وأن نتمكن من إغلاق ذلك الفك المفترس والمتمثل في حزام الفقر والجوع الذي أصبح سمة لازمة يُدمغ بها شعب السودان في كل الميديا العالمية كما نراها من وقت لآخر ….
والله المستعان ، وإلي اللقاء.
+++++
[email protected]




عمر محمد الأمين
:: عضو نشـــط ::
رقم العضوية : 3
الإنتساب : May 2010
المشاركات : 3,281
بمعدل : 0.65 يوميا

عمر محمد الأمين غير متواجد حالياً عرض البوم صور عمر محمد الأمين



  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : عمر محمد الأمين المنتدى : المنتدى العام
افتراضي مشروع الجزيرة الماضي الزاهر والحاضر البائس والمستقبل المجهول (3)
قديم بتاريخ : 09-09-2018 الساعة : 05:28 AM

مشروع الجزيرة الماضي الزاهر والحاضر البائس والمستقبل المجهول (3)
صلاح الباشا
++
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

كان قطن الجزيرة يشكل خامة رئيسية لصناعة ( النسيج ) والتي كانت تستوعب مئات آلاف من البشر المؤهلين ومن العمالة الماهرة بالسودان عامة وبالجزيرة علي وجه الخصوص. ما قاد إلي رفد ميزان المدفوعات بوزارة المالية بأرقام كبيرة من العملات الأجنبية ولسبعين عاماً خلت بحسابات ذلك الزمان قبل اكتشاف النفط مؤخراً ، فضلاً علي انتعاش السوق المحلي بالأقمشة والغزول والملبوسات، وأيضا بالتحسن في معيشة السكان بسبب توفر فرص العمل واتساع وسائل الرزق المضمون ، ويكفي أن مصانع شرف العالمية للغزل والنسيج بودمدني والتي أنشأها الراحل المقيم والرمز الوطني الغيور المغفور له بإذن الله السيد فتح الرحمن البشير ، كانت تشكل منطقة عمل وإنتاج واسعة في المدينة الصناعية بمارنجان، بمثلما كانت تمثل منطقة جذب للعمالة من معظم قري الجزيرة المحيطة بودمدني، بالإضافة لتأسيس معاصر زيوت الطعام التي كانت تعتمد علي بذرة القطن ، حيث بلغ إجمالي العمالة بقطاع النسيج في شرف العالمية بودمدني لوحدها قرابة العشرين ألفا من الشباب والشابات، ذهبوا كلهم مع الريح عند توقف زراعة القطن ، حيث أغلقت تلك المصانع الكبيرة أبوابها منذ سنوات عديدة ، وقد كانت ترفد كل القوات النظامية بقماش الزي الرسمي ، حيث تحول الأمر الآن إلي الإستيراد من دول صغيرة وغير زراعية لتلك الأصناف للقوات النظامية … فتأمل تارة أخري وتذكر معي شعار الإنقاذ الاول بكل ضجيجه الذي كان عاليا عبر الأجهزة ( نلبس مما نصنع !!!) . وهنا لا ندري من قام ( بتدقيس ) الإنقاذ من أهل الإنقاذ .
عليه … فإن قرار إهمال هذا المشروع الضخم بواسطة الذين كانوا قائمين علي أمر اقتصاد البلاد بالمركز في حقبة أوائل التسعينيات بالقرن الماضي قد ارتكبوا اكبر خطأ سياسي واقتصادي وتاريخي ، بل واستراتيجي في حق هذا الوطن ، وقد اتضح ذلك الآن ، وما هو أت أكثر رعبا ، وسنذكره هنا لاحقا في هذه الحلقات حتي يمكن إنقاذ الأمر علي عجل . ذلك أنهم قد قاموا بتعطيل أصول هذا المشروع الاستثمارية والتي تتجاوز الثلاثين مليارا من الدولارات تتمثل في قيمة اراضي مشروع الجزيرة والمناقل الخصبة والتي تبلغ مساحتها مليوني فدان ، زائداً أصول المشروع الأخرى العديدة ببركات ومارنجان والحصاحيصا والقرشي والباقير وبورتسودان وعقارات الغيط ، وأيضا قيمة اصل خزان سنار والترعة الرئيسية بالجزيرة والأخرى بالمناقل وأيضا تكلفة الترع الفرعية والقناطر ، دعك عن قيم اصول المحالج العشرة في مارنجان والحصاحيصا والباقير ، ثم المخازن والورش والمكاتب والمنازل علي امتداد أرض الجزيرة والمناقل ، وسكك حديد الجزيرة وقاطراتها ومقطوراتها وآليات الهندسة الزراعية ( المحاريث) بمارنجان والحصاحيصا و24 القرشي . فمن هو الذي اشتراها من المشروع ، وكم كان سعرها ، وأين تم توريد قيمة المبيعات ؟؟؟؟؟ سؤال يظل مدويا عبر التاريخ السياسي الحديث لعدة حقب قادمة . فليستعد من أخطأ ولو طال الأجل ، فسيادة القانون قادمة لا محالة ذات يوم ، حيث لاينفع التحدي الأهوج أمام سلطة القانون .
وهنا من المهم القول بأن إعادة تأهيل مشروع الجزيرة وامتداد المناقل كان لا يحتاج لأكثر من توافر عناصر جادة من كافة التخصصات ومن أبناء المشروع السابقين والحاليين من غير المشتغلين بمخازي السياسة البائسة ، ومن سماسرة العمل الانتهازي الذين استغلوا اسم المؤتمر الوطني الجامع أسوأ استغلال، ولم ينتبه المؤتمر بعد ، لكي يضعوا تصوراً لإعادة تأهيل الزراعة ومتطلباتها من آليات ( كراكات ) لوزارة الري ( المؤسسة الفرعية للحفريات ) لتطهير الترع ، كما تحتاج الهندسة الزراعية إلي جرارات ( تراكتورات ) وديسكات لحراثة الأراضي الواسعة هذه في كل موسم زراعي بدلا عن بيعها العشوائي الذي تم عن طريق الدلالة، مع توفير الأسمدة لشركات الرش والمبيدات، ومن تجنب تعيين الإداريين السياسيين في عظم المشروع بسبب فشلهم الذريع ، وذلك وفقاً للمقترحات التي يأتي ذكرها في الحلقات القادمة حسب تراكم التراث التاريخي الذي كان ناجحاً بمشروع الجزيرة أيام زمان وقبل أن تلتهمه السياسة التي تكون في الغالب مغمضة العينين تماماً لأنها تعتمد علي إنشاءات السلطة والتقوقع الأيديولوجي فحسب ، فتضر بالسلطة الحاكمة من حيث تدري أولا تدري، ما يوقع مشروعات البلاد الاستراتيجية في هاوية سحيقة جدا تحتاج جهدا كبيرا ورهقا من أجيال السودان القادمة برغم أنه يصعب انتشالها منه مثلما ظل يحدث للجزيرة وقطاعات أخري عديدة كانت منتجة… والمركز كان يغض الطرف لأن الرؤية أمامه كانت تأتيه غبشاء عمداً بسبب إنشاءات عائدات النفط الذي سيغادر أن آجلا أم عاجلا ، فضلا علي أنه أصلا ليس ذا قيمة اقتصادية متسعة ومضمونة كالزراعة .
مع الوضع في الاعتبار ان هناك اكثر من ٢ مليون عامل زراعي كانوا يفلحون الارض منذ وضع البذور وحتي مرحلة لقيط القطن وشحنه الي المحالج وهم سكان الكنابي الذين يستعين بهم المزارعون في كل المراحل الزراعية لعشرات السنوات . فتدمرت حياتهم تماما ونزحوا نحو العاصمة طلبا للرزق.
واخيرا احتكرت الصين اراضي الجزيرة ومولوا فيها زراعة القطن واقاموا محلجا حديثا لهم بساحات المحالج بمارنجان ومنها يصدرونه الي بلادهم وبلا اي عائد لخزينة البلاد … والسبب هو ان الامر يتعبر جزءا من سداد قروضهم للسودان والتي تتخطي العشرين مليار جنيه … لا ندري في ماذا استثمرت.
+++
كان الله في العون.




عمر محمد الأمين
:: عضو نشـــط ::
رقم العضوية : 3
الإنتساب : May 2010
المشاركات : 3,281
بمعدل : 0.65 يوميا

عمر محمد الأمين غير متواجد حالياً عرض البوم صور عمر محمد الأمين



  مشاركة رقم : 4  
كاتب الموضوع : عمر محمد الأمين المنتدى : المنتدى العام
افتراضي مشروع الجزيرة: الماضي الزاهر والحاضر البائس والمستقبل المجهول (4) الأخيرة
قديم بتاريخ : 11-16-2019 الساعة : 07:52 PM

مشروع الجزيرة: الماضي الزاهر والحاضر البائس والمستقبل المجهول (4) الأخيرة


صلاح الباشا
سلسلة أبحاث اقتصادية
لاتزال مسألة العودة إلي إعادة تأهيل مشروع الجزيرة وامتداد المناقل لا تستدعي الهروب أو الالتفاف حول هذا الأمر،
ولا أدري كيف كانت لجنة الخصخصة التي تم تكوينها في السنوات الماضية تستطيع أن تجد مستثمراً تتنازل له عن المشروع ( 2 مليون فدان زراعي خصبة ) تكون لديه ما يقارب الخمسمائة مليار دولار وهي القيمة التقديرية لأصول هذا المشروع المذكورة سابقاً؟
كيف كانت خطة الخصخصة ستسير وماهي الجهات المحلية أو حتي الدولية التي تتوفر لديها مثل هذه القدرات المالية العالية لكي تشتري هذا المشروع؟
أم أن المسألة سوف تسير علي نهج بيع المؤسسات المالية الرابحة مثل بيع البنك التجاري المتميز إلي مصرف المزارع الخاص بأبخس الأثمان، وبأغرب عملية بيع، وقد كانت كالتالي:
لم يقم مصرف المزارع بدفع قيمة الشراء في وقتها فوراً ونقداً في عام 1991م للبنك المركزي ، بل كلنا يعلم بأن عملية السداد قد تمت من واقع عمليات ونشاط البنك التجاري القديم بعد عدة سنوات لاحقة (في عام 1997م) مع ملاحظة انخفاض أسعار الصرف خلال تلك المدة لأن البيع لم يتم بعملة الدولار ..فتأمل، أي تم بيع البنك ( بالدين ) وتم تركه يعمل كي يسدد ثمن بيعه للحكومة، أي بعد أن حقق البنك أرباحاً عالية بموقفه المالي القوي وبأرباح معاملاته المصرفية لمدة سبع سنوات لاحقة، ثم قام بعدها بسداد قيمة البيع إلى بنك السودان دون تعديل في قيمة سعر البيع المقررة في العام 1991م رغم انهيارات الجنيه المتلاحقة، أي أن مساهمي مصرف المزارع لم يوردوا قيمة الشراء إلى خزانة الدولة نقداً ومقدماً عند استلامهم للبنك التجاري في عام 1991م، وهذه لعمري أغرب طريقة للبيع وهي أن تبيع نفسك للغير وأن تعمل سبع سنوات إضافية لتحقق أرباحاً لكي تتمكن من سداد قيمة بيع نفسك للغير من أرباحك المحققة، وهي تذكرنا بزمن تجارة الرق عند العرب قديماً حيث يظل الرقيق يعمل عند مالكه حتي يتمكن من سداد المبلغ المتفق عليه لكي يتم عتقه بعد ذلك فهي أشبه بهذه المسألة تقريباً وهذا شيء مقلوب تماماً في عالم التجارة مائة في المائة، ولكنه الفساد المصاحب لجبروت السلطة وقتذاك، وهي نتاجا لفلسفة التحرير الهوجاء والخصخصة وفوضي المتابعة والانشغال بالفعل السياسي الهتافي الخطابي فقط، فضلاً عن قرار بيع مؤسسة حكومية مصرفية ناجحة كالبنك التجاري الذي يعتبر من أميز البنوك في تاريخ السودان الحديث وله تقاليد تجارية راسخة وعملاء متميزون راسخون في الحركة التجارية السودانية ، فقد اختفى البنك التجاري العملاق إلي غير رجعة ودخل بكل نجاحاته إلي بطن مصرف جديد خاص يحمل اسم المزارع (بالعافية كده) والذي لم يسهم مطلقاً في حركة الاقتصاد الزراعي والوطني بعشرة في المائة مما كان يقوم به البنك التجاري الذي (ذهب مع الريح) وبلصوصية مكتملة الأركان.(هي لله) .
لذلك فإننا نتحدث بإصرار شديد في أن مسألة تحرير الاقتصاد وخصخصة مشاريع وبنوك الدولة رغم صحة نظرياتها من الناحية الفنية البحتة، إلا أن تطبيقاتها كانت كلها تنم عن انعدام خبرة في العمل الوطني السوداني، وعن قلة تجربة في العمل الديواني، حيث لاحظنا أن هنالك أسماء معينة ظلت ولمدة عشره سنوات تتنقل في نفس وظائف مديري البنوك التجارية والزراعية، فيتم تحريكهم من بنك إلي آخر كل فترة، مثل تغيير مدرب الكرة لخانات اللاعبين داخل الملعب مع الحفاظ علي نفس التشكيلة، وبالتالي لا يحدث استقرار إداري في البنك المحدد والتجديد في سياساته كي يتطور ويصمد، وذلك بسبب تقلب السياسات وتبدل المهارات ،مما أدخل اقتصاد البلاد بذلك في حقل تجارب ظللنا ندفع ثمن إخفاقاتها المتواصلة فقراً ومرضاً وجوعاً ومهددات للهوية تطل برأسها من وقت لآخر، وغادرتنا إلى غير رجعة كل قيم وتراث التسامح السياسي والتكافل الحياتي في المعاش والحاجات، وافتقدنا معظم مكونات استمرارية مشروعاتنا الزراعية الضخمة، وانهارت الخدمة المدنية التي اشتهر بها السودان بين الشعوب، وهاجرت العقول المتميزة المبعدة من الخدمة تلعق جراحاتها الغائرة وتتذوق مرارة العلقم إلى مهاجر بعيدة تستصعب العودة بعدها. ومنهم من بحث عن اكتساب جنسيات أخرى فوجدوها على طبق من ذهب في العالم المتقدم الذي يعرف قيمة الإنسان …فتأمل!!!
ولكن رغم ذلك يبقي الأمل متقداً في نفوسنا وسنظل نتفاءل بالخير حتى نناله، ولا نملك إلا أن ندعو الله أن يحفظ سوداننا الحبيب من كل شر وفتنة ربما تقترب.
وأن يعم السلام الذي غاب طويلاً كل أرجاء البلاد، وأن تعود لمجتمعنا مرة أخرى كل قيم التسامح والأدب الرفيع والتعامل الراقي بين كل فئاته، وأن تنتصر قيم الحق والجمال وأن تغادر إلى غير رجعة كل مشاريع الظلام وأجندة الحرب والتآمر لاستلام السلطة مرة أخرى ، وحينذاك سنجد كل أسراب الطيور التي ارتحلت بعيداً جداً ولسنوات طويلة قد حزمت حقائبها لتعود إلى مراتع صباها لتجدد ذكرياتها رغم مرحلة كهولتها فتعود وفي معيتها كل تجاربها الثرة وكل أجيالها الجديدة التي ترعرعت بالخارج بكل ما اكتسبته تلك الأجيال من علم حديث ومن تقنية متقدمة ومن أفق متسع ومتقدم كاتساع بلادنا الشاسعة كي يحدث تواصل وتوارث للخبرات والتجارب في شتى الميادين مرة أخرى بعد هذا الانقطاع الطارئ رغم طول مدته، وعند ذلك… ستتفتح ملايين الزهور في أرض بلادنا بعد أن أصابها الذبول زمناً ليس بالقصير .
أما إذا عدنا لمعرفة الأسباب الرئيسة التي قادت إلى دمار مشروع الجزيرة ، فقد كان تمويل الزراعة في كل موسم زراعي لهذا المشروع العملاق خلال الأزمنة السابقة سواء كانت مدخلات زراعية أو ديسكات للجرارات والمحاريث أو قطع غيار لها أو محروقات أو تجديد لماكينات الحليج بمحالج مارنجان والحصاحيصا والباقير لاحقاً كان التمويل يأتي من وزارة المالية وبهامش ربح لا يتجاوز نسبة 9% فقط من مبلغ التمويل حيث يتم سداداه بعد بيع صادر القطن بعد نهاية كل موسم زراعي، كما كان المشروع يسدد قيمة مياه الري وقيمة حفر وتعميق الترع والقنوات للمؤسسة الفرعية للحفريات التي تتبع لوزارة الري .
ولكن ماذا حدث بعد ذلك؟
وهنا تكمن المفاجأة، فقد قرر واحد من وزراء المالية المعروف بالخصخصة برفع قيمة فائدة تمويل عمليات الزراعة للمشروع من نسبة إلى 9 % إلى نسبة 36%. ما أدى الى العجز الذي ظل يضرب المشروع في مقتل وقد انتهي الأمر بدماره بالكامل عمدا من وزارة المالية (مع سبق الاصرار والترصد) مكيدة في الشعب السوداني، حتي تبرر للمجتمع ان المشروع خسران ولا فائدة منه، خاصة وأن المساحات المزروعة بدأت في التقلص والتلاشي في عقب كل موسم زراعي، برغم أن حصيلة عائدات بيع القطن من العملات الأجنبية كانت تستخدمها الحكومة في استيراد كل احتياجات البلاد بما في ذلك السلاح وتمويل كلفة الحرب الأهلية اللعينة بجنوب البلاد آنذاك بعدما تم الإطاحة بحكومة الديمقراطية الثالثة وقد كان السلام في الجنوب قد اكتملت أركانه بعد توقيع اتفاقية السلام السودانية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان في أديس أبابا بتاريخ 16/11/1988م والتي عرفت باسم اتفاقية (الميرغني – قرنق) فضاع السلام في منتصف العام 1989م واشتعلت الحرب اللعينة وتدمر مشروع الجزيرة وبقية المشاريع الأخرى، وحتي بعد انفصال الجنوب واكتشاف البترول والذهب، كان الشعب يتوقع من السلطة الحاكمة أن تعود بسرعة للنهوض بالزراعة تارة أخرى طالما كانت البنية التحتية لمشروع الجزيرة موجودة .. لكنه الغباء السياسي المقرون بالاستهتار غير المحدود فضلا علي الفساد ونهب موارد النفط والذهب، ففقدت البلاد 90% من عائدات النفط بعد الانفصال بمثلما فقدت محصول القطن غالي الأثمان … فاضطرت الحكومة إلى بيع أصول المشروع بكل استفزاز وعنجهية مقرونة باللامبالاة.. وقبض شعبنا الريح .
ومن جانب آخر كما قلنا من قبل فقد توقفت المصانع التي كانت تعتمد علي المواد الخام الزراعية وتشردت العمالة وفقدت المالية ايرادات الضرائب والزكاة التي كانت تقدر بمليارات الجنيهات من نشاط تلك المصانع تجارياً، ما أثر حتى علي الحركة التجارية العادية في أسواق الجزيرة والمناقل والسوكي والرهد وحلفا الجديدة بعد إقفال تلك المشاريع الزراعية بها .
ولكننا نقول …. لايزال الأمل كبيرا في أن تهتم الحكومة الانتقالية الحالية بالعمل علي إيجاد دول قوية تستثمر في إعادة زراعة القطن في هذا المشروع بنظام الشراكة الحكومية، ولدينا تجربة الشراكة في قيام مصنع سكر كنانة بين الهيئة العربية للاستثمار والانتاج الزراعي وبين حكومة السودان والتي اثبتت جدواها المستمرة ولمدة أربعين عاما أو تزيد حتي الآن .
عليه، نتمنى أن تضع جهات الاختصاص هذا الأمر من ضمن خططها الإسعافية لإعادة تأهيل موارد الاقتصاد السوداني، وتكون ضربة البداية بتكوين مجلس إدارة قوي وفعال لإدارة مشروع الجزيرة ومن تخصصات مختلفة حتى يمكن الاستعانة به في إعادة الحياة لهذا المشروع الذي كان عملاقا ولمدة ثمانين عاماً متصلة بلا توقف.
++++++
[email protected]


إضافة رد


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 06:53 PM بتوقيت مسقط

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
الاتصال بنا شبكة ومنتديات وادي شعير الأرشيف ستايل من تصميم ابو راشد مشرف عام منتديات المودة www.mwadah.com لعرض معلومات الموقع في أليكسا الأعلى