.::||[ آخر المشاركات ]||::.
كتب صديق عبد الهادي: بعض قضايا... [ الكاتب : عمر محمد الأمين - آخر الردود : عمر محمد الأمين - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 10164 ]       »     تنعي منتديات وادي شعير المغفور... [ الكاتب : عمر محمد الأمين - آخر الردود : عمر محمد الأمين - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 8973 ]       »     بمزيد من الحزن والأسى تنعى منت... [ الكاتب : عمر محمد الأمين - آخر الردود : عمر محمد الأمين - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 4279 ]       »     تنعي منتديات وادي شعير المغفور... [ الكاتب : عمر محمد الأمين - آخر الردود : عمر محمد الأمين - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 3966 ]       »     كتب صديق عبد الهادي: وما الذي ... [ الكاتب : عمر محمد الأمين - آخر الردود : عمر محمد الأمين - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 12860 ]       »     من الواتساب: أقوال منسوبة للشي... [ الكاتب : عمر محمد الأمين - آخر الردود : عمر محمد الأمين - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 4962 ]       »     تنعي منتديات وادي شعير المغفور... [ الكاتب : عمر محمد الأمين - آخر الردود : عمر محمد الأمين - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 4447 ]       »     الراكوبة: لجنة للتحقيق في بيع ... [ الكاتب : عمر محمد الأمين - آخر الردود : عمر محمد الأمين - عدد الردود : 2 - عدد المشاهدات : 9408 ]       »     الراكوبة: تكوين لجنة تمهيدية ل... [ الكاتب : عمر محمد الأمين - آخر الردود : عمر محمد الأمين - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 6933 ]       »     الراكوبة: محافظ مشروع الجزيرة ... [ الكاتب : عمر محمد الأمين - آخر الردود : عمر محمد الأمين - عدد الردود : 2 - عدد المشاهدات : 8774 ]       »    



الإهداءات

العودة   منتديات وادي شعير الأقسام العامة منتدى السياسة والفكر والأدب

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

عمر محمد الأمين
:: عضو نشـــط ::
رقم العضوية : 3
الإنتساب : May 2010
المشاركات : 3,281
بمعدل : 0.65 يوميا

عمر محمد الأمين غير متواجد حالياً عرض البوم صور عمر محمد الأمين



  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : منتدى السياسة والفكر والأدب
افتراضي تأمُّل في مفاهيم علوم الاقتصاد والاجتماع والسياسة: الحلقة الرابعة د. عبدالمنعم عبدال
قديم بتاريخ : 12-22-2018 الساعة : 08:49 AM

دراسة لكتاب: التشكُّل الاقتصادي الاجتماعي في السودان وآفاق التغيير السياسي:
قراءة في الاقتصاد السياسي السوداني

تأمُّل في مفاهيم علوم الاقتصاد والاجتماع والسياسة:
الحلقة الرابعة
د. عبدالمنعم عبدالباقي علي

[email protected]
+++++
بسم الله الرحمن الرحيم

المنهج المادي الجدلي والتاريخي:
إنَّ مناهج العلوم الطبيعية الراسخة، منذ ثورة جاليليو العلمية وما لحقها من ثورات على يد نيوتن وآينشتاين، والعلوم البيولوجية الراسخة، منذ ثورة لويس باستير، تختلف نوعيَّاً عن مناهج العلوم الإنسانية الرخوة، وذلك لأنَّ العلوم الإنسانية أكثر تعقيداً وتفاعلاً، وذات حيوية متواصلة، وعواملها كثيرة مَّما لا يمكن أن تبحث بطريقة علمية بحتة لعدم التمكن من التحكُّم فيها أو الإلمام بها في شمولها أو التنبؤ بمآلها.
وقد حاول علماء العلوم الإنسانية منذ نهاية القرن التاسع عشر بحثهم عن مناهج صلدة ترفع علومهم إلى دقَّة مناهج العلوم الطبيعية والبيولوجية، فاستعاروا المنهج العلمي الطبيعي، وتأثَروا بتشارلز داورن وحتميته الإحيائية، ثمَّ تمَّ تلاقح مفاهيم الفلسفة مع مفاهيم العلوم الطبيعية والأحيائية مع علوم الاجتماع وعلوم النفس الناشئة فنشأت فلسفة العلوم، ثمَّ اشتقَّت بقية العلوم الرخوة طريقاً منفصلاً مثل علم الاجتماع وعلم النفس وعلم السياسة وعلم الاقتصاد فكان لها من الحظ في تأمين بعض المناهج العلمية المقبولة، على قصورها، أكثر من العلوم التاريخية.

وقد كان هيجل أوَّل من تحدَّث عن الجدلية وأوَّل من ربطها بالتاريخ ولكن جدليته كانت مثالية اعتبرها كارل ماركس تمشي على رأسها فعدلها، في اعتقاده، مستلفاً مفهوم المادية من فيورباخ ومُركِّباً لمفهوم جديد أسماه الجدلية المادية. ولم يفصل فيورباخ بين ماديته والأخلاق كما فعل كارل ماركس وهو بذلك أقرب للتفكير المثالي منه للتفكير المادي البحت. هذه المفارقة للمذاهب المثالية والغلو في المادية نما وسط ثورة صناعية عاملت الإنسان كأداة إنتاج لا غير فحطَّمت إنسانيته، ولأنَّها قامت على أيدي أصحاب رأس المال المحافظين الذين تربطهم بالكنيسة وبالدولة رابطة قويَّة تقوم على تبادل المنافع، فقد كان الرفض للنظام الرأسمالي والديني والسياسي واحداً ولم يُفرِّق بين استغلال الإنسان بواسطة رأس المال أو الدين أو الدولة، ولغت بذلك أي فائدة كامنة في الملكية الخاصة أو الدين أو الدولة، لهذا الإنسان المطحون الذي وُعد بمجتمع مثالي تسود فيه روح الإخاء الإنساني، والعدالة الاجتماعية، والملكية العامة، والمساواة. وقد وُعد أيضاً بحياة ثرَّة يملأ فراغها الروحي تفريخ العلم المذهل الذي سيحل مشاكله الوجودية والنفسانية.

كارل ماركس أدرك أنَّ الإنسان لا يُقبل على شيء إذا لم ير فيه منفعته المستقبلية ولذلك استغلَّ حالة الإحباط لطبقة الشغيلة ليبشرهم بمجتمع آخر أفضل في المستقبل فأقام حُجَّته على تحليله للاقتصاد السياسي، بطريقة بسيطة ولكن بلغة معقَّدة، فكانت رسالته أنَّ الاستغلال نتج عن عدم امتلاك وسائل الإنتاج، وربط ذلك بالملكية الخاصة واستنتج من ذلك أنَّ حفة الرأسماليين والدولة يجب أن تذهبا لتحل مكانهما طبقة الشغيلة فتُلغي الملكية الخاصة وترمي الدين، وسيلة تعتيم الوعي للجماهير، في مزبلة التاريخ، لأنَّ العلم سيحل مكانه وينقذ البشرية من بؤسها.

ولذلك تبقي نقطة المفارقة الأهم بين هيجل وماركس هي مسألة الدين؛ فقد كان كارل ماركس علمانياً مُلحداً متأثراً بمادية فيوربارخ، وكان يعتقد أنَّ: "نقد الدين هو أساس النقد برمَّته". ولكن هل انتقد ماركس الدين ليهدم الدين أمَّ أنَّه استبدله بدين جديد؟
يقول بودوستنيك وياخوت في ألف باء المادية الجدلية:
"للوصول إلى الهدف الكبير الذي تكافح البروليتاريا في سبيله، لم يكن هناك بد من فلسفة ثورية جديدة تساعد البروليتاريا لا على تفسير العالم تفسيراً صحيحاً فحسب، بل تكون أيضاً بين يديها بمثابة سلاح روحي موثوق لتحويل العالم ثورياً. ولقد كانت المادية الجدلية هي بالضبط ذلك السلاح الروحي في أيدي الشغيلة".

وفي تعريف ستالين فإنَ هذا المنهج المادي الجدلي أو المادي التاريخي يقوم على أساس الأيديلوجية وعلى مبدأ فلسفي فهو يقول:
"تقوم المادية الفلسفية الماركسية على المبدأ القائل إنَّه من الممكن تماماً معرفة العالم وقوانينه. وإن معرفتنا لقوانين الطبيعة تلك المعرفة التي يجري تحقيقها بالعمل والتجربة، هي معرفة ذات قيمة ولها معني حقيقة موضوعية، وأن ليس في العالم أشياء لا يمكن معرفتها، وإنما فيه أشياء لا تزال مجهولة بعد، وهي ستكشف وتصبح معروفة بوسائل العلم والعمل".

في رأيي هذه المقولات ليست أكثر من نبوءة وافتراض فطير لا يسنده المنطق ولا العلم ولا التجربة، وهي مقولات ساذجة مليئة بالمغالطات المنطقية وتدل على الانبهار بالاكتشافات العلمية في نهاية القرن التاسع عشر.

فنحن نري نتيجة هذه النبوءات بعد هذه القرون الطويلة؛ فإذا الإنسان لا يعرف أكثر من أربعة بالمائة من المجهول، وهو أكثر خوفاً من الطبيعة فلا يمرُّ أسبوع إلا وتتري أخبار الكوارث الطبيعية التي تضرب أقوي الدول فتقف عاجزة أمامها، وأكثر خوفاً على حياته بانتشار إرهاب الدول العظمي والجماعات الإرهابية والأمراض الوبائية، وأكثر ضياعاً نفسيَّاً وفكريَّاً بين الحروب الخارجية التي مصدرها جماعة الإنسان وبين الحروب النفسية الداخلية التي مصدرها فرد الإنسان.

ولذلك فإطلاق صفة العلمية على هذه الفلسفة مجافٍ للحقيقة ولكنَّها يمكن أن توصف بأنَّها رأي فلسفي "يؤمن" بالعلم وقدرة الإنسان المطلقة على سبر أسراره وتوظيفه لخدمة الإنسان، وهو أمر لا يسنده واقع مُعاش ولا منطق. ليس هناك من بأس أن يعتمد الناس على مُخرجات العلم لتقييم حياتهم وتقويمها، أو الاستفادة من مناهجها التحليلية، فهذا أمر بديهي وطبيعي، ولكن أن تستبدل إيماناً بإيمان، أي غيباً بغيب، ثمَّ تدَّعي أنَّ إيمانك أصح لأنَّه إيمان بالعلم والتجربة الماديتين وليس إيماناً بالغيب فهذه مغالطة، لأنَّ التنبؤ لا ينطبق إلا على الغيب، والغيب له نواميسه الخاصة وأحداثه المتفردة. وكلَّ علوم المستقبل الحديثة لا تستطيع أن تتنبَّأ بالمستقبل وحتى تطور العلم الذي حلَّ مشكلات سابقة أدَّي إلى مشكلات أكثر تحتاج إلى أدوات وموارد أكثر لحلِّها ومنها مسألة التلوث البيئي ومآلاته.

فكارل ماركس أوَّلاً وآخراً يُبشِّر بعالم مثالي تسود فيه العدالة الاجتماعية حيث يتساوى الجميع وتنعدم فيه الملكية الخاصة وتذوب فيه الدولة ويتحرَّر فيه الإنسان من الاغتراب النفسي بهدم أسباب الاستغلال والعبودية، وهو، كما نري، عالم لا يماثل الواقع في شيء فالدولة الشيوعية استبدلت الطبقات السابقة بطبقات جديدة تتكون من طبقة الشغيلة وطبقة البيروقراطية الحاكمة وزادت قوَّة الدولة وترهَّلها وانعدمت العدالة الاجتماعية وانتشرت صبغة الدولة الأمنية وأخيراً رضخت لطبيعة البشر فسمحت بالملكية الخاصة.

فحقيقة أنَّ الدولة الشيوعية صارت أكثر قوَّة وبطشاً بدلاً من أن تذبل، ومع تدني الإنتاج عدَّلت دستورها وسمحت ب 0.5% من الأرض للملكية الخاصة فأنتجت 27% من الإنتاج العام أثبت بُطلان فرضية النظرية وأثبتت أن الإنسان هو الجزء الأهم من المعادلة وهو العامل الوحيد الذي لا تغير طبيعته الأصيلة الأيام، فالرأسمالي إنسان، وطبقة الشغيلة تتكون من بشر، والدولة يقوم بأمرها بشر ولذلك يجب أن ينتبه أي منهج لهذه الحقيقة ويبني عليها نتائجه وبذلك يقلِّص فرص الاستغلال، والفساد والهيمنة. فالذين يؤمنون أنَّ طبيعة الإنسان الخيِّرة هي الغالبة واهمون، وليروا حقيقة ضلالهم فعليهم أن يستمعوا لنشرة أخبار واحدة ويقارنوا بين الكوارث التي تُذكر ويكون الإنسان مصدرها والأعمال الخيرة له.

وهذه النتيجة البائسة لم تكن خاصَّة بالنظام الشيوعي ولكنَّها وليدة كلّ تجربة أيديلوجية شمولية، مهما كانت مصادرها، لأنَّها تُغفل طبيعة البشر القائمة على التميُّز والجشع. فقد افترضت النظرية الشيوعية أنَّ الذين سيمسكون بدواليب السلطة والقرار سيكونون أنقياء أتقياء يملكون زمام طبيعتهم البشرية، ويتخلّقون بأخلاق سامية، ولذلك سعت لتمكين أعضاء الحزب المخلصين، وهو نفس الافتراض الذي قامت به حكومة الإنقاذ فقد وصفت أصحاب القرار السياسي فيها "بالصحابة الأبرار"، ولذلك فقد رأينا مطابقة كاملة للنتائج في عهد الإنقاذ كما كانت في عهد الدولة السوفيتية الشيوعية.

ولعلَّ ذلك يُفسِّر كيف أنَّ دولة قائمة على مبادئ الإسلام، وقام صيتها على محاربة الشيوعية تصير هي الصديق الصدوق لدولة الصين الشيوعية، ويبني حزبها الشيوعي داراً لحزب الدولة الإسلامي، وهذه الدولة الإسلامية نفسها التي ساندت الانقلاب الشيوعي في روسيا على نظام البروسترايكا، فالعقلية الشمولية واحدة ونتائجها واحدة وإن اختلفت ألوان الثياب.

ولهذا فأخذ نتائج التحليل بالجدية الملزمة يعتمد في الأساس على علمية المنهج لأنَّه حينها يقف بأقدام ثابتة على قاعدة صلبة.
ولذلك عندما يقول الأستاذ حسين أحمد حسين عن المنهج المادي الجدلي تبريراً لاختياره:
"عدم وجود منهج آخر يبذُّه في القدرات التحليلية والاستقصائية".
نقف وقفة تأمل علمية، ونحن وإن اتفقنا جدلاً أنَّ هذا المنهج يعلو على ما غيره من المناهج التحليلية، فهو لا يعني عُلو قيمته العلمية لكمال فيه ولكن لنقصان في المناهج الأخرى، ولكن قد تكون له قيمة عملية مثل القيمة العملية للديموقراطية التي يعترف الجميع على أنَّها نظام سيء للحكم ولكنَّها أفضل الأنظمة الموجودة.
أمَّا مقولته:
- الاستطاعة لاستخدام العقل الحر والتفكير الحر مع أدوات تحليل المنهج، بعيداً عن أغلال الأيديلوجية، كأدوات تحليل لنظرية علوم اجتماعية تحظي باحترام واسع في الأوساط العلمية العالمية وبذلك سيكون التحليل علمياً ملتزماً ينتج إجابات بصيرة وواعية تصبُّ في مصلحة التغيير البصير للواقع السوداني ممَّا يساهم في الوصول لمرحلة الثورة الوطنية الديموقراطية.
فقد وجدت في هذه الجملة صعوبة لفهم كيفية تحرير المنهج من أغلال الأيديلوجية أو استخدام العقل الحر باستخدام أدوات تحليل تقوم على فرض فلسفي فرجعت لمصادر المادية الجدلية ومنها كتاب جوزيف ستالين الذي كان يمثل المرجع الأساس للفكر الماركسي الذي تبناه الحزب.

فالعقل لا يمكن أن يكون حُرَّاً تماماً ولا يمكن أن يكون تفكيره كذلك لأنَّه محكوم بظروف التنشئة والتجربة والأحداث، وإذا نجا الإنسان من الانحراف أو الميل الظاهر وتمسَّك بالموضوعية فلا يمكنه أن ينجو من الانحراف أو الميل الباطن أو الخفي والذي ليس في مقدرة البشر إدراكه تماماً.

فسلخ جلد الأيديلوجية عن لحم النظرية لا يمكن ولكن التحسُّب للمزالق أكثر أماناً وكان يجدر بالأستاذ حسين أحمد حسين أن يوضِّح لنا كيف استطاع إجراء عملية سلخ جلد الأيديلوجية من لحم النظرية وفصله عن عظم الافتراضات المبدئية، وبمعني آخر كيف تسنَّي له فعل ذلك والمادية الجدلية أو التاريخية تقومان على مبدأ مادي بحت ممَّا يتعارض مع مرجعيته الفكرية؟

ولا شكَّ أنَّ نتيجة المنهج العلمي يجب أن تكون تفسيراً لظاهرة أو مشكلة ما، أو وصفة علاجية لها وإلا لكان المنهج العلمي غير ذا فائدة، ولذلك فاختيار المنهج التاريخي المادي يجب أن يثبت أمام النقد العلمي ويصمد للتحليل المنهجي ليس في سياق مكانه وزمانه فقط ولكن في سياق الأماكن والأزمان التي تعقبه.

وفي كتاب ألف باء المادية الجدلية لبودوستنيك وياخوت يعرِّفان الفلسفة بأنَّها: "تصور صحيح للعالم يضمُّ بين طياته كل ما نعرفه عن الحياة والعالم في مجمله والظاهرات والأحداث التي تقع فيه، ولذلك فهي علم أعمَّ قوانين ارتقاء الطبيعة والمجتمع والفكر الإنساني". وبالطبع مجمل المعرفة الإنسانية لا يمكن أن تنفصل عن معرفته الدينية والتاريخية والحضارية بما فيها من علوم على اختلاف مصادرها.

ونحن لا نختلف على التعريف في شكله ولكنَّنا نختلف في طبيعة ومحتوي هذا التصوُّر الصحيح ومن هو الأجدر بإنتاجه؟

فهما يمهِّدان بمقدِّمة فلسفية صحيحة ولكنَّهما يسوقان عربة الفلسفة إلى الاتِّجاه الذي يريدانه بتحديد نوع الوقود الذي يجب أن تتزوَّد به حتى تصير فلسفة صحيحة: "فالفلسفة ليس لها أن تكون تصوراً متقدِّماً، تقدُّمياً عن العالم ما لم ترتكز في استنتاجاتها على مرتكزات العلوم الأخرى ومثل هذه الفلسفة هي في عصرنا الحاضر هي الماركسية – اللينينيَّة التي تستند إلى آخر منجزات العلم، وتسلِّح بدورها هذا الأخير برؤية عامَّة للعالم وبمنهج للمعرفة متقدمين، فتساعده على الوصول إلى معارف جديدة للإنسانية التي هي بمسيس الحاجة إليها". إذن من هذا القول يمكننا أن نقول أنَّ المذهب الماركسي-اللينيني هو الوحيد المتقدم والتقدمي والمذاهب الأخرى، على اختلافها مثالية أو وجودية أو دينية، متخلِّفة"، وهو يعني التسليم بوجهة النظر هذه مثلما يسلِّم المؤمن بدين لا يسبقه نقد علمي.
وهو ما يؤكدانه في مقولة أخري:
"ليس للناس جميعاً تصور واحد عن العالم. فهو عند بعضهم علمي تقدمي، وعند بعضهم الآخر مناف للعلم بله رجعي".
وقد عرَّف الفيلسوف العربي د. نجيب زكي محمود الفلسفة:
"إنَّ الفلسفة منهج فكري، يبدأ دائماً من السطح الفكري الذي يعيشه الناس، ثم يأخذ في الغوص تحت هذا السطح، ليصل آخر الأمر، إلى حقيقة عامة وشاملة تفسر الذي يجري على السطح – من جهة- وتشير بالتالي إلى ما كان ينبغي أن يكون".

هذا هو المنهج الفلسفي العام، ولوصفه بالعلمية فيجب شكلاً أن يخضع لقوانين المنطق بأنواعه المختلفة إن كان صُوريَّاً أو لا صورياً أو مائياً فلا تكتنفه المغالطات المنطقية. أمَّا محتواه فيخضع لمبادئ البحث العلمي التي ذكرها فيلسوف العلوم كارل بوبر مثل التعميم، فنحن نعلم أنَّ النظرية العلمية الصحيحة يجب أن تُعمَّم نتائجها إذا ما صادفت نفس شروط سياق التجربة، وهو ما يحدث في العلوم الطبيعية والتي حاول المنهج المادي الجدلي أو المادي التاريخي اقتفاء آثارها، ولكن يؤكد جوزيف ستالين، مرَّة أخري، على هذا بتفريقه بين مفهومي المادية الجدلية والمادية التاريخية فيقول:
"المادية الجدلية أسلوبها في النظر إلى حوادث الطبيعة جدلي، لأن تعليلها لحوادث هذه الطبيعة وتصورها لها، أي نظريتها مادية. أمَّا المادية التاريخية فتوسع نطاق مبادئ المادية الجدلية حتى تشمل دراسة الحياة الاجتماعية، أي على درس المجتمع وعلى درس تاريخ المجتمع".

ويبدو من تعريفهما نبوءة الحداثة في عهد صلابتها قبل عهد سيولتها وتشظِّيها عندما وعدت أن تقضي بالعقل والعلم على خوف الإنسان من الطبيعة بمعرفتها وترويضها والتحكُّم فيها، وعلى خوفه من المرض والموت بدحرهما بالعلم، وعلى خوفه الوجودي بتحرير عقله فاتَّخذت من المذهب المادي منهجاً.

والجدل فلسفياً في تعريف بودوستنيك وياخوت يعني المنهج الذي يدرس الواقع في سيرورته الدائمة وصيرورته لذلك فهو ينظر للأشياء في تطورها ولذلك فهو مطابق للواقع ويؤكد صحته العلم والتجربة. ويفترضان أنَّ الجدل ليكون علمياً لا بدَّ أن يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمادية أي جدل هيجل المثالي مع مادية فيورباخ.

ومفهوم الجدلية المادية مرَّ بتعديلات أو تحويرات مختلفة حسب فهم كل فيلسوف لمفاهيم كارل ماركس، وصدر لجوزيف ستالين كتاب: الجدلية التاريخية المادية وأيضاً صدر كتاب الجدلية المادية للفيلسوف الشيوعي هنري لوفيبر وهما لا يتفقان في التعريف ولا في المغزى وقد حُورب هنري لوفيبر بواسطة حرَّاس معبد الجدلية الماديَّة المتشبعين بالأيديولوجيا.

هنري لوفيبر رأي بحث ماركس في الاقتصاد على أنَّه تحليل أو نقد للاقتصاد السياسي السائد الذي يقوم على ثوابت اجتماعية مجهولة أو غيبية تدعم النظام الاقتصادي السائد ولذلك فنقده يماثل، في رأيه، نقد الدين وتجاوزه. وهذا النقد يؤدي لتحرير الإنسان من الاغتراب وأيضاً يُحفِّز فيه الإمكانيات الثورية الكامنة للتفتُّح والنمو وتحقيق المثال الإنساني الراشد. بهذا يري هنري لوفيبر أنَّ المادية الجدلية يجب أن تتحوَّر وتضم المثالية في جوانبها كجزء أصيل من إنسانيتها. وقد قدَّم هنري لوفيبر نظرته للمادية الجدلية على أنَّها نظرية متحركة باستمرار وليس لها حد نهائي بل هي مجموعة من المفاهيم التي تربطها مناهج متقاطعة في نظام شامل مثل المجموعة الشمسية. ونحن نري في منهج هنري لوفيبر مرونة عقلية واستقلالاً فكريَّاً بعيداً عن كوابح الأيديلوجية التي تتخذ السياسة مركباً لتنفيذ أهدافها وليس الفكر الذي قامت على أساسه الأيديلوجية. وهو طريق يفضل أن يطرقه الآخرون إن كانوا يتبعون البرهان لا المفاهيم المتكلِّسة. فنقد فكرك أجدي من نقد فكر الآخرين إن كنت تريد للشك المنهجي أن يظل فتيله مُتَّقداً دائما وهو الذي سيقودك للحقيقة أو يفتح لك أبواب فهم جديدة في مفاهيمك فيثريها.

المنهج المادي التاريخي انتقده فيلسوف العلوم كارل بوبر في كتابه "عقم المنهج التاريخي فقال: "يتأثر المنهج التاريخي الإنساني في سيره تأثراً قوياً بنمو المعرفة الإنسانية، كما لا يمكن لنا أن نتنبَّأ بكيفية نمو معارفنا العلمية بالطرق العقلية أو العلمية ولذلك لا يمكننا التنبؤ بمستقبل سير التاريخ الإنساني وهذا معناه يجب أن نرفض إمكان قيام علم تاريخي اجتماعي يقابل علم الطبيعة النظري".
ولا بأس من الاهتمام بالتاريخ البشري؛ إن كان اجتماعياً أو اقتصاديَّاً، ومحاولة تفسيره بالتحليل المنطقي، فهو أمر حثَّ عليه المولي عزَّ وجلَّ: "قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض"، وهو أمر قام به عبدالرحمن بن خلدون، ولكن يجب أن ننتبه إلى أنَّ كلَّ النظريات الاقتصادية والاجتماعية هو وليدة بيئتها وواقعها إن كانت مسيحية كما في حال آدم اسمث أو ماكس فيبر، أو ماديَّة في عهد العلمانية وسطوع العلم والصناعة، فهي تفسير لظواهر كانت أولويات في وقتها مثل حقوق العمال ثمَّ طريقة تنمية الثروة وتوزيعها.

فالعلم لا يحسن أو يسيء الظنَّ بعقل العالم أو المفكِّر ولكنَّه ينظر بحياديَّة علمية إلى ناتج عقله وهو الذي سيحدِّد مدي صلاح أو فساد هذا الناتج وهذا التقييم لا يقوم إلا على قوَّة أو ضعف البرهان وصحَّة التَّنبُّؤ.

فالعالم إنسان، والإنسان كائن متفاعل نتاج طبيعة وبيئة وتجربة، وهي جدلية مستمرة، ولذلك فنتاج علمه محكوم بمصدر العلم، فإن قال بأنَّ مصدره هو عقله فقط، أو عقله الناقد لنتاج عقول الآخرين وتجربته الشخصية فهذا نتاج ناقص وناقض للمصداقية العلمية لأنَّ المصدر محدود، ومداخل المعلومات ناقصة، ونجاعة العقل البشري قاصرة، أمَّا إذا قال بأنَّ مصدره إلهي وعقله أداة للمعرفة، وتجربته أداة للفهم، فنعلم أنَّ المصدر لانهائي المعرفة والعقل محدود الفهم ولذلك فإنَّ أخطأ الفهم لا نلوم المصدر ولكن نلوم قصور العقل، وهذا هو الفرق بين مصادر العلم الوضعي والإلهي.

وأخيراً يجب الانتباه إلى أنَّ اتِّخاذ المنهج للتشخيص لا يعني أنَّه يعالج المرض، لأنَّ العالم قد يُّشخِّص الداء بأعراضه فقط ولا يعرف له سبباً، فإذا ما اجتمعت الأعراض أمكن تسمية الداء وفي هذه الحالة يُسمَّي "متلازمة"، أي أنَّ مجموعة أعراض معينة تتلازم لتُنتج عرضاً مُعيَّناً.

أو قد يؤدي التشخيص إلى تحديد بعض أسباب المرض ولكن معرفة أسباب المرض لا يمكن أن تعالج المرض ولكن لربما تجنُّبها يمكن أن يقي شخصاً آخر من المرض، ولكن برغم تجنب الأسباب فقد يقع المرض وهو ممَّا يعني أنَّ هنالك من الأسباب ما خفي عن العالم.

خلاصة هذا القول أنَّ كارل ماركس صادف في زمنه انبثاق مجموع مفاهيم فلسفية مثل الجدلية والمادية ونفسانية مثل مفهوم الاغتراب وطفرات علمية فجمعها في وعاء واحد واستنبط منها مفهوم فائض القيمة، وصاغها في مفهوم فلسفي جديد يقوم على افتراضات فلسفية وليست علمية فقد أدَّت دوراً مُهمَّاً في كشف بعض ديناميكية العلائق الاقتصادية السياسية الاجتماعية ولكنَّها لم تُحط بكلَّ العوامل الأخرى بل وألغت أهمّ سبب وهو الطبيعة البشرية ولذلك فشلت في تقديم العلاج رغم أنَّها أفلحت في رفع الوعي بنتائج الاستغلال.

فالذي يستغل إنسان والإنسان المُستغل لا يعني أنَّه لن يستغل أخاه الإنسان إذا وجد طريقاً للسلطة بأشكالها بعد أن ذاق مرارة الحرمان، بل لربما يكون أكثر جشعاً، وأقسى قلباً، وإذا ما قلَّبنا أبصارنا في التاريخ القديم والحديث وفي الحاضر نري أمثلة لا تُعد. ومما هو معروف بالبديهة أنَّ الفصل بين الاقتصاد والأخلاق لا يمكن لأنَّ الرابط بينهما الإنسان وهذا الإنسان يتجاوز الحدود ويطغي كطبيعة ناشطة فيه ولذلك فالمنهج الذي يمكن أن يكبح طغيانه لا يمكن أن يكون آحادي النظرة ولكن تكامليَّاً يأخذ كافة العوامل الطبيعية والنفسانية والاجتماعية والروحية في معيَّته.
+++++

وسنواصل إن أذن الله سبحانه وتعالى
ودمتم لأبي سلمى





إضافة رد


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 01:22 PM بتوقيت مسقط

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
الاتصال بنا شبكة ومنتديات وادي شعير الأرشيف ستايل من تصميم ابو راشد مشرف عام منتديات المودة www.mwadah.com لعرض معلومات الموقع في أليكسا الأعلى