بسم الله الرحمن الرحيم
إن مساهمتنا اليوم التي تأخذ في الاعتبار كل الأسس العلمية والهندسية تتركز حول تقييم وثيقة إعلان المبادي التي وقعها الرؤساء الثلاثة والتي رأينا أن فيها العديد من المآخذ والأضرار علي مصالح السودان وإليكم الدليل العلمي:
1. أشارت وثيقة إعلان المبادئ في المبدأ الأول إلي القانون الدولي الذي يهمنا فيه ما يتصل بالجانب الهندسي ولكن الوثيقة بكل أسف في هذا البند أغفلت وأهملت المبادئ الأساسية للأمن المائي القومي للسودان ومنها الالتزام بالإخطار المسبق وعدم الإضرار بمشروعات السودان القائمة تحديداً وأغفلت الإشارة إلي الالتزام بالاتفاقيات القائمة التي تكون إثيوبيا طرفاً فيها وأهمها اتفاقية 1902م التي بادرت إثيوبيا المستقلة بوضعها آنذاك وهي تعنى حصرياً ومباشرة بالمشروعات والخزانات التي خططت وتخطط إثيوبيا لإقامتها علي النيل الأزرق بالذات وكذلك بحيرة تانا والسوباط. ولذلك فإن الوثيقة بإهمالها لهذه المبادئ الهامة تنطوي علي ضرر كبير بالنسبة للأمن المائي السوداني.
2. بالنسبة للمبدأ الثاني الخاص بالتنمية وإنتاج الكهرباء النظيفة وغيرها فهذه أمور بديهية.
3. بالنسبة للمبدأ الثالث الخاص بعدم تسبيب الضرر والمآخذ عليه أنه بدلاً من أن ينص علي تعويض الدولة التي أصابها الضرر من الدولة المتسببة في الضرر أمر(ملزم) إلا أن النص تحدث عن مناقشة التعويض كلما كان ذلك مناسباً وهذا يعني عدم الزام بالتعويض.
4. المبدأ الرابع الخاص بالاستخدام المنصف والمعقول ظللنا نردده مع دول حوض النيل منذ الستينات.
5. بالنسبة للمبدأ الخامس الخاص بالتعاون في الملء الأول وإدارة السد فإنه بكل أسف ليس فيه (إلزام) بل مجرد (احترام) للمخرجات النهائية للدراسات المشتركة (الموصي بها) في تقرير لجنة الخبراء الدولية والتي حدد لها 12 شهر ثم تخضع للدراسة لفترة ثلاثة أشهر أخري لمعرفة حصيلتها كما قال السيد وزير الكهرباء لتكون فترة الدراسة 15 شهراً ويعني هذا أن مخرجات لجنة الخبراء الدولية لن تجد طريقها للتنفيذ مباشرة بل أنها سوف(تستخدم) من جديد لمدة ثلاثة أشهر بغرض الاتفاق علي الخطوط الإرشادية وقواعد الملء الأول وسوف تضاف إليها (كافة السيناريوهات الأخرى).. وهذا كله يدل علي أنه ليس هنالك التزام قاطع بشأن الاتفاق علي قواعد الملء الأول ونخشي أن تؤدي هذه الجهجهة في صياغة هذه المادة إلي أن ينتهي بكم المطاف إلي أن يتم في النهاية تنفيذ خطة الملء الأول الإثيوبية.. والأغرب من ذلك أن نفس البند الخامس أعطي إثيوبيا الضوء الأخضر والحق والموافقة الكاملة علي أن تستمر في عملية بناء السد دون توقف أثناء الفترة التي يتم فيها إجراء تلك الدراسات وهذا ضرر كبير لأن الجميع كانوا يطالبون بإيقاف بناء السد إلي أن تكتمل الدراسات ولكن الرؤساء أكدوا لإثيوبيا في الوثيقة بأن تجري الدراسات (بالتوازي مع عملية بناء السد).
والكارثة الكبيرة نجدها بكل أسف في البند الذي ينص علي الاتفاق علي (الخطوط الإرشادية وقواعد الملء السنوي) والذي للدهشة أعطي إثيوبيا كل الحق في أن تقوم بضبط قواعد التشغيل السنوي من وقت لآخر دون أن تناقش ذلك مع دولتي المصب بل فقط تقوم بإخطارهما مجرد إخطار بالظروف التي استدعت إعادة الضبط بواسطة إثيوبيا وحدها حيث يقول نص وثيقة إعلان المبادئ (الاتفاق علي الخطوط الإرشادية وقواعد التشغيل السنوي لسد النهضة والتي يجوز لمالك السد ضبطها (وهو إثيوبيا) من وقت لآخر وإخطار مجرد إخطار دولتي المصب بأية ظروف غير منظورة أو طارئة استدعت إثيوبيا لإعادة الضبط) وهذا يعني أن كل السلطات والتحكم والكنترول لتشغيل السد سيكون بموجب إعلان المبادئ حسب ما تراه إثيوبيا بالطبع لخدمة مصالح شعبها والتي تنطوي علي أضرار بمصالح السودان.. وإذا علمنا أن لجنة الخبراء الدولية لم يتم الاتفاق علي تعيينها حتي الآن فإنها عندما يتم تعيينها وتوفير المعلومات لها وبعد ذلك تستمر الدراسات لمدة 15 شهراً نكون قد اقتربنا من بداية العام 2017م حيث يكون بناء السد قد اكتمل أو شارف الاكتمال كما أن هنالك الدراسات الهامة الأخرى التي تختص بالجوانب البيئية والاجتماعية والاقتصادية الخ.. وربنا يستر.
6. أشار البند 6 من اتفاقية إعلان المبادئ مبدأ بناء الثقة إلي أنه سيتم إعطاء دول المصب الأولوية في شراء الطاقة المولدة من سد النهضة وهذه الصيغة توضح أنه ليس هنالك التزام كما أن المتتبع لتصريحات كبار المسئولين في إثيوبيا فإنهم يؤكدون أن كهرباء سد النهضة ستكون كلها لصالح الشعب الإثيوبي في مناطق الحضر والريف وأن خطوط نقل الكهرباء التي يجري تشييدها إلي داخل إثيوبيا تؤكد أن كهرباء سد النهضة سوف تستغل كلها داخل إثيوبيا لصالح الشعب الإثيوبي كما أنه من المعلوم أن كفاءة توليد الكهرباء أقل من 33%.. وهنا نسأل الأخوة ممثلو وزارة الموارد المائية والكهرباء أن يؤكدوا لنا هل التزمت إثيوبيا بإعطاء السودان أي كهرباء من سد النهضة وكم حجمها وكم سعرها ومتي سيتم إنشاء خطوط النقل داخل السودان؟؟؟ وبالطبع يعلم الجميع أن هنالك خط القلابات القائم منذ فترة لنقل كهرباء من مصادر أخري في إثيوبيا وهذا ليس له دخل بكهرباء سد النهضة.. وأشار هذا البند أيضاً إلي أن تنشئ إثيوبيا آلية تنسيقية (مجرد تنسيق وليس مشاركة) حول تشغيل سد النهضة مع خزانات دولتي المصب بينما كان المفروض أن يتم إنشاء آلية للإشراف علي تنفيذ وثيقة إعلان المبادئ بأكملها.
7. بالنسبة للبند 7 الخاص بتبادل المعلومات وتوفيرها للدراسات فهذا أمر بديهي.
8. بالنسبة للبند الثامن مبدأ أمان السد ذكرت إثيوبيا أنها نفذت بعض التوصيات وستكمل البقية لأحقاً فهل قام وفد من وزارة الكهرباء بالسودان بزيارة الموقع وشاهد حجم العمل الذي نفذ والعمل التبقي وكم حجمه؟
9. بالنسبة للبند (9) الخاص بالسيادة ووحدة الدولة فهذا أمر بديهي وحتمي.
10. بالنسبة للبند العاشر الخاص بالتسوية السلمية للمنازعات وتشمل المشاورات والتفاوض والوساطة وإذا لم تنجح كل هذه الخطوات (كان من المفروض أن يحال الخلاف إلي التحكيم) ولكن هنالك تهرب واضح من اللجوء للتحكيم لأنه نهائي وملزم وبدلاً عن ذلك قالوا يحال الخلاف (لرؤساء الدول).. هذا أمر عجيب بالنسبة لمنشأة هندسية مثل سد النهضة.
11. إن أكبر إشكال بالنسبة لسد النهضة هو حجم التخزين وكان كثير من المختصين يتطلع أن تشير الوثيقة إلي دراسة حجم سعة التخزين بهدف تخفيضها إلي11 مليار وهو الحجم الذي حددته هيئة الاستصلاح الأمريكية ووضعته إثيوبيا في خطتها واستراتيجيتها القومية منذ أوائل الستينات لأن سعة 74 مليار وتمرير تصرف ثابت فيها أضرار كثيرة منها الأربعة التي حددتها اللجنة الثلاثية المدعومة بخبراء دوليين في تقريرها في مايو 2013م وهذه الأضرار هي سلامة السد التي لاتزال تداعياتها قائمة ومخاطر الملء الأول الذي مازالت دراساته تنتظر تكوين لجنة الخبراء الدولية المتعثرة وكذلك انعدام دراسات الجوانب التشغيلية للملء والتفريغ والجوانب البيئية والاجتماعية والاقتصادية التي مازالت دراساتها في علم الغيب رغم أن تنفيذ السد تخطي 40% وكذلك تدني كفاءة إنتاج الكهرباء البالغة أقل من 33% هذا إلي جانب الآثار الضارة علي السودان من جراء حجز مياه الفيضان وتمرير تصرف ثابت يومي وإن الذين يزعمون أن حجز مياه الفيضان مفيد للسودان مخطئون علمياً وهندسياً وزراعياً واقتصاديا واجتماعيا لأن الآثار الضارة من حجز مياه الفيضان وتمرير تصرف ثابت تتمثل في ضياع أراضي الجروف التي هي مصدر للأمن الغذائي والتأثير الضار علي تغذية المياه الجوفية التي أثبتتها دراسات الآبار الاختبارية التي أجرتها الوزارات المعنية من قبل وليست النماذج النظرية الافتراضية.. هذا إلي جانب كارثة فقدان ري الحياض والري الفيضي والتمور والمترات وإن الفيضان لا يدمر القري وإنما أصحاب القري الذين يبنون قراهم في حرم الفيضان هم الذين يتسببون في تدميرها وليس بإنشاء سد 74 مليار ليحجز عنهم مياه الفيضان أما الضرر الجسيم الآخر هو أن تمرير 130 مليون سوف لا يمكننا من ملء خزاني الروصيرص وسنار ولا توليد الكهرباء منهما ولا إيجاد مياه الري لكل مشروعات النيل الأزرق بما فيها مشروع الجزيرة والرهد والسوكي طيلة فترة ملء خزان الروصيرص وسنار وهي 46 يوماً وكذلك إن الذين يزعمون أن حجز الطمي في سد النهضة مفيد خطاً فادحاً من النواحي العلمية والهندسية وذلك أمر يعرفه الجميع لأنه من جراء حجز الطمي في سد النهضة ستكون هنالك مخاطر جسيمة مورفولوجية وهايدرولوجية وهايدروليكية وزراعية واقتصادية واجتماعية تتمثل في فقدان السماد الطبيعي للجروف وللمشاريع المروية وفقدان صناعة الطوب علي طول مجري النيل والطوب المصنع من الطمي المزال في المشاريع المروية إلي جانب تدمير الكفاءة التصميمية لقنوات الري بصورة كارثية ونحر مجري النيل وتفاقم الهدام وغير ذلك من الأضرار كما أن الذين يرددون أن سد النهضة ينظم جريان النيل ويزيد من الأراضي الزراعية وتوليد الكهرباء في الخزانات القائمة وتحسين الملاحة بتمرير تصرف 130 مليون سوف يراجعون موقفهم علي هذه الافتراضات النظرية لأنهم ينبغي عليهم أن يدركوا أن إثيوبيا عندما تبدأ وتواصل تنفيذ خطة المشاريع المروية علي النيل الأزرق والروافد الأخرى لصالح الشعب الإثيوبي إلي جانب مشروعات السودان في ترعتي كنانة والرهد المرحلة الثانية سيفاجئون لأن الـ 130 مليون متر3 في اليوم سوف تنخفض إلي رقم متدني يدحض تلك الافتراضات وكافة السيناريوهات تماماً وعلينا أن نفكر في الاستفادة من مياه تعلية الروصيرص والمخزنة في مروي والستيت قبل أن نبني خططنا علي مياه سد النهضة الغير مضمونة وعلينا أن نتذكر أن إثيوبيا لديها 33 موقع لإنشاء سدود علي النيل الأزرق وحده.. ونريد أن نحصر أنفسنا في مآخذ وثيقة إعلان المبادئ كما أن الجميع يدركون تأرجح موقف السودان ممثلاً في وزارة الموارد المائية والكهرباء من موقف التأييد المطلق لسد النهضة بسعة 74 مليار قبل عاميين إلي اللجوء الآن بعد أن تم تنفيذ أكثر من 40% من السد واللجوء لدراسة الآثار السالبة والأضرار والمنافع وتكملة النقص في الدراسات في هذه المرحلة المتأخرة وأريد أن أشير هنا إلي حديث السيد رئيس الجمهورية لقناة الحياة اليوم والذي نقلته صحيفة السوداني بأكمله والذي جاء فيه (ولكن الطاقة التخزينية 74 مليار وهي كبيرة وتحتاج إلي مراجعة والتأكيد علي سلامة السد)..
وإننا نناشد الأخوة الذين هم الآن معنا في الندوة ممثلين لكل الخبراء في وزارة الموارد المائية والكهرباء والذين هم أشرفوا مع آخرين علي بلورة وثيقة إعلان المبادئ نناشدهم بمراجعة الموقف في ضوء ما أوضحناه من مآخذ وأضرار في وثيقة إعلان المبادئ لمراجعة موقف السودان عليها حفاظاً علي حقوق ومصالح السودان والأجيال القادمة.
والله الموفق ..
++++
المهندس كمال علي محمد
[email protected]
منقول