المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أغنية الجراري .. و نانسي عجاج .. بقلم: عبد المنعم عجب الفيا-منقول


عمر محمد الأمين
06-08-2011, 10:52 AM
أغنية الجراري .. و نانسي عجاج .. بقلم: عبد المنعم عجب الفيا
abdou alfaya [[email protected]]
الجراري من الإيقاعات المليئة بالشجن وهو لون من الغناء اشتهرت به قبائل شمال كردفان البدوية (دار حامد والكبابيش والكواهلة والحمر والشنابلة وبني جرار وغيرهم). وجل هذه القبائل ترعى الابل وبعضها كالحمر استقرت وصارت تحترف الزراعة ورعي الضان والأغنام. وإيقاع الجراري مستوحى من حركة سير الابل. وإلى جانب غناء الجراري نجد عند هذه القبائل غناء الدوبيت ومن الذين اشتهروا بذلك ولهم تسجيلات صوتية "تيراب" صاحب الصوت والأداء النادر والنم المتميز وكذلك ود أم سيالة.
ولعل أول أغنية جراري عرفت على نطاق واسع من خلال الإذاعة السودانية هي أغنية " الليلة والليلة دار أم بادر يا حليلة – بريد زولي".
وكانت المطربة أم بلينا السنوسي أول من شدا بها عبر برنامج ربوع السودان ثم رددها من بعد المطرب الكبير حمد الريح ثم عبد الرحمن عبد الله.
وام بادر هي مركز دار كواهلة شمال كردفان تقع إلى الغرب من ديار الكباببيش، في الطرف الشمالي الغربي لشمال كردفان. وقد تغنى بجمالها الشاعر الناصر قريب الله في قصيدته الشهيرة التي يترنم بها الكابلي " أم بادر" وكذلك الشاعر الكبير محمد سعيد العباسي.
وكان زعيم كواهلة كردفان - أيام الانجليز – عبد الله ود جاد الله - قد كسر قلم مكمايكل مدير مديرية كردفان تعبيرا عن الغضب من حكم أصدره ماكمايكل في نزاع بين الكبابيش والكواهلة
فصارت مثلا: كسار قلم ماكميك.

وكان الطيب صالح قد عبر عن إعجابه الشديد بأغاني الجراري وما يصاحبه من رقص بديع وحمحمة وذلك في سياق حديثه عن ذكريات الطفولة في قريته ريفي الدبة بالمديرية الشمالية والمتاخمة لحدود الركن الشمالي الشرقي لمديرية كردفان. يقول :" وما أضفى على هذه المنطقة ثراء ثقافيا أن عرب الكبابيش كانوا يزورونها بين الفينة والأخرى.
وهؤلاء عرب اقحاح كانوا يبحثون عن الكلأ والماء لإبلهم وشراء التمر والذرة. وفي غدوهم ورواحهم اختلطوا بالناس ونظرا لأنهم من العرب الفصحاء فقد ادخلوا فصاحتهم في كلام الناس".
كان هؤلاء الأعراب حينما " يصلون المنطقة كانوا يدخلون على قراها حيوية شديدة. لان أفراحهم وطريقتهم في الغناء مختلفة ، عما اعتدنا عليه.
كنا نطلق على رقصهم اسم (الجابودي) – يقصد الجراري-
يقف الرجال في حلقة الرقص ويحمحمون بأصوات مكتومة حم – حم – حم ثم تدخل بناتهن البدويات الى دائرة الرقص ويرقصنا رقصا بديعا-
كان المشهد بالنسبة لنا قمة الإثارة والنشوة، وبعض هؤلاء استقروا في المنطقة ، وقد تعرضت لهذه الفئة في رواية عرس الزين." - انتهى.

وإذا كانت قبائل الابالة في شمال كردفان قد اشتهرت بغناء الجراري، فان نظرائهم البقارة بجنوب غرب كردفان اشتهروا بغناء المردوم أو المردوع.
ونمثل له بأغاني عبد القادر سالم. مثل أغنية الله الليموني، واللوري حل بي، وغيرها.
ويمتاز المردوم بخلاف الجراري بسرعة الايقاع وقوته. ولعل اختلاف البيئة وتباين طبائع الأنعام التي يرعاها كل طرف لها دور في ذلك.
فالمعروف أن البقارة يرعون البقر ويركبون التور والخيل. كلام البقارة سريع وقوي. أما كلام الابالة في الشمال لين وبه جرجرة وتطويل للنغم وانعكس كل ذلك على إيقاع الجراري.

ومن الإيقاعات الأخرى التي نجدها عند القبائل الزراعية المستقرة ، الجوامعة بشرق كردفان والبديرية بالأواسط والحمر كذلك ،
إيقاع الدلوكة ( السيرة والتم تم) وكذلك غناء الطمبور (الكرير) ذلك النوع من الغناء الذي كان موجودا أيضا عند الجعليين والجموعية والذي انبثقت عنه أغاني (الحقيبة) بأم درمان.
وقد انتقل التم تم من دار الجوامعة بشرق كردفان عن طريق سواقي اللواري السفرية الى كوستي وأم درمان
وساهم اسماعين عبد المعين في انتشاره وادخله زنقار على أغاني الحقيبة ( من بف نفسك يا القطار وسوداني الجوه وجداني) ممـهدا الطـريق بذلك الى الاغنية الحديثـة
( انظر د. الفاتح الطاهر- تاريخ أغنية أم درمان).

أغنية الزارعنا في الصريف- ونانسي عجاج :
التقطت المطربة الصاعدة نانسي عجاج أغنية من أغاني الجراري وقامت بأدائها أداء جميلا نال إعجاب الجمهور ولفت انتباه الكثيرين إلى هذا اللون من أغاني التراث.
على أن الأغنية أثارت جدلا على صفحات المنابر بالشبكة العالمية ابتدره الأستاذ شوقي بدري.
ودار الجدل كله حول اللازمة الموسيقية أو اللحنية للأغنية: هل هي " اندريا" كما أدتها نانسي عجاج أم أنها كلمة أخرى غير ذلك؟

المعروف أن أغنية الجراري كغيرها من أغاني التراث تعتمد على لازمة لحنية تتكرر باستمرار.
فمثلا أغنية " دار أم بادر يا حليلها" تعتمد على اللازمة الموسيقية الصوتية التي تقول: " بريد زولي" تتكرر هكذا:

الليلة والليلة دار ام بادر يا حليلها – بريد زولي
زولا سرب سربة خت الجبال غربا – بريد زولي
ادوني لي شربة خليني نقص دربا – بريد زولي
زولا سمح صورة بالفاتحة مندورا- بريد زولي

ونحن نذهب مع الذاهبين إلى أن اللازمة الأصلية للأغنية التي تؤديها نانسي عجاج، ليست "اندريا" الاسم المعروف،
وذلك لسبب بسيط وهو أن الفتاة في البيئات الكردفانية التقليدية لا تبوح باسم محبوبها في الغناء لان ذلك يعد من العيب لاعتبارات كثيرة وهذا يتماشي مع التقليد المتوارث بان المرأة عندهم لا تصرح باسم زوجها حتى في الأحوال العادية. ولهذه الاعتبارات ذاتها الملاحظ أن المغنية في أغنية " دار أم بادر" لم تصرح باسم عشيقها واكتفت بالإشارة إليه بكلمات " زولي" و "زولا" حتى عندما تجرأت وتمنت الزواج منه قالت: "زولا سمح صورة بالفاتحة مندوره".

إن اللازمة الأصلية للأغنية كما نرى- هي: "أمندريا" أي أنا أدري. أو " أمندري با" أي أنا أدري به. وذلك أن أهل كردفان يضيفون إلى فعل المضارع الذي يصف حال المتكلم باء ونونا وأحيانا تنطق هذه الباء ميما. فهم يقولون مثلا في : أنا أكل، أنا اشرب، أنا أمشي: أني بناكل وأني مناكل ، أني ابنشرب وأني امنشرب، اني ابنمشي وأني أمنمشي الخ.. وقياسا على ذلك فان عبارة " أنا ادري " تنطق عندهم " أني ابندري " أو " اني امندري".
تقول الفتاة في مستهل الأغنية :" الزرعنا في الصريف بسقيك بلا خريف" فهي تشبه نضارة المعشوق بنضارة النبات الذي ينمو تحت الصريف في الخريف.
والصريف كما هو معروف حوش القش الذي يسور به بيت القطاطي. فالنبات الذي ينمو تحت الصريف او بين ثناياه، يكون في العادة، اشد النبات نضارة واخضرارا.
اي ان ذلك الفتى المعشوق الذي نشا في كنف ذلك الحوش وهو اشد زهوا وشبابا، أنا ادري وأعرف بصفاته الجميلة وأخلاقه الحميدة.
ولذلك أنا على استعداد أن أرعاه وافديه بنفسي حتى يظل محتفظا بنضارته وشبابه.
قولها: "كما كلام الناس بسكن معاك خماس" يؤكد ان كلام الناس يمنعها من أمور كثيرة من بينها البوح باسم الحبيب والرحيل معه.
وخماس إحدى قري دار حمر وتوجد عدد من القرى في هذه المنطقة تحمل هذا الاسم، منها خماس حجر، وخماس الدونكي.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا من أين أتت نانسي عجاج باسم " اندريا " كلازمة لحنية للأغنية؟؟
لا بد أن الأغنية مرت بعدة مراحل وأعيد توظيفها وإنتاجها في مناسبات مختلفة، زيد فيها وحذف منها، واستُبدل. وإذا أخذنا بالرواية التي تقول إن "أندريا" شخص جاء إلى المنطقة وكانت له عربة سخرها في جلب الماء للقرى هنالك، فان تفسير ذلك أن اندريا هذا جاء إلى المنطقة بعد أن استقرت الأغنية في وجدان الناس وعندما أرادوا تمجيده ورد الجميل له عمدوا إلى هذه الأغنية وأعادوا إنتاجها بتغيير اللازمة اللحنية إلى اندريا. والمعروف ان قرى خماس الوارد ذكرها في الأغنية كانت من أكثر مناطق الحمر التي تعاني العطش. وحيث أن اندريا صار شخصية عامة وان الغناء له هنا ليس بدافع العشق والحب، فلم تجد المغنيات حرجا من التصريح باسمه.
هذا، والنسخة التي تغنيها نانسي عجاج ليست النسخة الأخيرة التي أعيد إنتاجها من الأغنية الأصلية فقد أورد محمد سليمان محمد موسى ( سودانايل 29 ابريل 2011) أن لازمة الأغنية اللحنية الأصلية، تغيرت في مرحلة من المراحل إلى "النارية". أي أن ذلك الفتى الذي تتغنى به، قد أوقد في قلبها نار العشق.
حاشية:
تبدل قبائل كردفان البدوية هاء الضمير الدالة على المفرد المذكر، ألفا ساكنة.
فكلمات مثل: كتابه، واسمه، تنطق: كتابا واسما.
في أغنية دار أم بادر، تقول المغنية : " خلوني نقص دربا". و" خت الجبال غربا". أي دربه وغربه.
وهذه الظاهرة اللغوية موجودة بكثرة في كلام عرب الخليج والعراق وليبيا.

عيبدة احمد دفع الله
06-08-2011, 05:07 PM
مشكور يا شيخ عمر
ولكن تدمع العين حزنا علي ما يحدث الآن في إقليم كردفان وأعني كلمة ( إقليم ) لأنه عندما كان السودان مقسم إلى اقاليم كان الخير يأتي إليه ويخرج منه من كل جانب وحينها كان شعار اقليم كردفان ( كردفان القرة ام خيرا جوا وبرا ) وحينها تغنى بها أهلها وغيرهم, وكانوا مشهورين بالكرم وحفاوت استقبال الضيف وكانوا متوكلين على الله حق توكله في مسألة الزرع والضرع , و لكن سـوف نموت شوقا على زمن ينادى فيه :
يا الفي الغروب شوقي ليك طال,,,,,,,,
ويا الفي الشروق هاك لحني قال,,,,,,
ويا الفي الجنوب حييّ الفي الشمال,,,,,,,,,
أما الوسط وما أدراك ما الوسط كان قلب الجزيرة وأرض المحنّة

عمر محمد الأمين
06-08-2011, 08:43 PM
شكراَ عيبده
مثل هذه الكتابات تثري مخزون القارئ فهي تتناول الكثير من الموضوعات،
فالحديث عن نمط حياة المجتمع و إيقاع الحياة لديه و انعكاس ذلك في أغانيه و ألحانه جد مفيد في فهم المجتمعات الإقليمية،
فحياة البقارة وإيقاع الحياة لديهم غير إيقاع الحياة لدى الأباله والاثنان يختلفان عن إيقاع الحياة عند الغنامه،
و إيقاعات حياة المجتمعات الرعوية هذه تختلف عن إيقاعات الحياة عند المجتمعات الزراعية و الحضرية
و أهل الزراعة يختلفون عن أهل المدن و المجتمعات الصناعية،
وهو تنوع يثري وجدان الفرد السوداني فيتفاعل مع جميع هذه الإيقاعات وما تنتجه من إبداع و فن و غناء .

كما أنها تشير لبعض العادات الاجتماعية التي تسود في بعض المجتمعات،
وقد عاصرنا في الجزيرة عندنا زمنا ما كانت المرأة فيه تنطق اسم زوجها فتشير إليه ب" أبونا" و إذا أرادت أن تناغمه فتقول" دا"أو ناغم عمك أو أخوك
ولكن أن تنطق اسمه فذاك المستحيل بعينه.
وأنا على يقين أن بعض أمهاتنا إلى أن توفاهن الله لم تنطق الواحدة منهن اسم زوجها أو أبو أولادها.

وحتى الرجال ما كانوا يشيرون لاسم المحبوبة مباشرة بل استخدموا حساب الجمل في الدوبيت و النم للإشارة لاسم الحبيبة،
وحساب الجمل هو أن لكل حرف من الأبجدية مدلول رقمي تبدأ من (أ) = (1) وتنهي (غ) = 1000،
ويضع القائل هذه الأرقام لتدل على الحروف التي يريد