المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مشروع الجزيرة هو بوابة العبور "الأخيرة" نحو تفكك الدولة السودانية !! .. بقلم: صديق عب


عمر محمد الأمين
07-11-2011, 05:08 AM
مشروع الجزيرة هو بوابة العبور "الأخيرة" نحو تفكك الدولة السودانية !! .. بقلم: صديق عبد الهادي
[email protected]
المقال السادس والأخير
وفي سؤال البديل /
رأيت انه من المناسب أن افتتح المقال الأخير من هذه السلسلة، بما كتبه المؤرخ الاقتصادي الأشهر "بول بايروك" في معالجته النابهة لنتائج الغزو الأوروبي للأراضي الأمريكية التي أطلقوا عليها زوراً "الأراضي الجديدة". ولا أورد قوله هنا إلا لمطابقته لواقع حال سلوك الرأسمالية الطفيلية الإسلامية (رطاس) تجاه مشروع الجزيرة وأراضيه. فهؤلاء الغزاة الإسلاميون الطفيليون الجدد لا يتعاملون مع السودان كوطن وإنما كـ"أراضي فتوحات جديدة"!!!، وهي "فتوحات رأسمالية إسلامية" دموية لم تخضع لها الجزيرة لوحدها وإنما الغلبة الغالبة من مناطق السودان كذلك، وبشكلٍ أكثر دموية وغِلظة.
كتب "بول بايروك قائلاً:
"وسواء كان الأمر متعلقاً بالله أو المجد أو الثروة، او الثلاثة مجتمعين، سيان السبب، ولكن من المؤكد ان هذه الملحمة العجيبة قد أدت إلى اندثار الحضارات ما قبل الكولومبية (أي الحضارات القائمة قبل اكتشاف كريستوفر كولومبس لأمريكا) وأسهمت إلى حدٍ كبير في إبادة السكان الذين صنعوها وعاشوا في ظلها".
وحتى لا يأتي اليوم الذي يكتب فيه احد المؤرخين ذات العبارة عن منطقة الجزيرة، نرى انه ما من بدٍ سوى أن يصوغ السودانيون بشكلٍ عام وأهل الجزيرة بشكلٍ خاص، اليوم وقبل الغد، بديلاً لبرنامج وسياسة سلطة الإنقاذ فيما هو متعلقٌ بمشروع الجزيرة. تلك مهمة يجب إن تتكاتف فيها المساهمات الجادة.
إن البديل لسياسة سلطة الإنقاذ وبالتحديد لقانونها سيئ الصيت والمعروف بقانون سنة 2005م لابد وان يأخذ في الاعتبار عاملين مهمين/
أولا/ إن منطقة الجزيرة يتوافر فيها، ومن بين أهلها، عددٌ هائل من الكوادر المهنية المتميزة والعالية التأهيل في كل المجالات المختلفة التي يحتاجها مشروع الجزيرة، ودونما استثناء في أي تخصص. نلفت النظر لهذا العامل لأنه ليس هناك من احدٍ احرص على وجود ونجاح المشروع من أبنائه وبناته. ولقد تمّ إغفال هذه الحقيقة ولحد كبير عبر تاريخ المشروع المديد للحد الذي جعل حتى أولئك الذين لا علاقة لهم بأمر الزراعة أو بتاريخ المشروع أن يكونوا أصحاب نهيٍ وأمرٍ في مستقبله، وذلك بالقطع تطاول مارسه كل النافذين في سلطة الإنقاذ، الذين لم يكن لهم من مؤهلٍ يعطيهم الحق في تحديد مصير المشروع سوى استيلائهم على السلطة بالانقلاب وليس بإرادة الشعب. وذلك بئس التأهيل.
ثانياً/ إن التطور العلمي بشكلٍ عام، والتقدم التقني في المجال الزراعي على وجه خاص قد بلغا شأواً عظيماً في عصرنا الذي نعيشه الآن، مما قلل من الاحتياج للجهد الإنساني المطلوب بذله ولحدٍ غير مسبوق في التاريخ البشري. هذه الحقيقة الفاقعة يعلمها الكل، ولكن الرأسمالية الطفيلية الإسلامية (رطاس) لا تعلمها فحسب، وإنما تتعامل معها بمكر، وتسعى حثيثاً لتوظيفها في تعزيز مصالحها المتمثلة في تراكم الرأسمال وبكل السبل، بما في ذلك انتزاع الأراضي الزراعية أينما وُجِدتْ في السودان، والاستحواذ بشكلٍ خاص على أراضي مشروع الجزيرة. إن عامل التطور هذا يجب توظيفه في مصلحة الناس جميعاً بدلاً عن مصلحة أفراد ومؤسسات رأسمالية طفيلية، محلية كانت أو عالمية.
وهذا العامل بالتحديد، أي عامل التطور المعرفي الحالي، يقف سنداً وحجة قوية في سبيل إبقاء الأرض لأصحابها وعدم السماح للمزارعين ببيع حواشاتهم لأنهم وفي ظل التوظيف الأمثل لمقتنيات العلم والتطور ستنتفي حاجتهم للتخلص من الأرض أو الحواشة لأنها لن تكن عبئاً عليهم ولن ثُقل كواهلهم.
إن أي بديل يتجاهل هذين العاملين سيكون بديلاً مجافياً للحق ومنخرطاً في حملة الرأسمالية الطفيلية الإسلامية (رطاس) الهادفة ليست لامتلاك ارض المشروع وحسب، وإنما لاقتلاع أهله من الجذور.
شهد مشروع الجزيرة تطبيق مبدأين أو سياستين ليحكما العلاقة الإنتاجية بين أطرافه في تاريخه الذي امتد لأكثر من 85 عاماً. وتينك المبدأين هما سياسة الحساب المشترك وسياسة الحساب الفردي. وقارب تطبيق الأول الـ 60 عاماً، أما قانون سنة 2005م فما هو إلا الامتداد الأسوأ والأظلم لمبدأ الحساب الفردي الذي تمّ تطبيقه عملياً في العام 1984م.
إن الحساب المشترك، ومن التجربة، وبالرغم من رجحان كفته في وجه الحساب الفردي إلا أن له مساوئ، وأوضحها هو غياب الحافز والمشجع بالنسبة للمزارع. وذلك الحافز من الجهة الثانية قد يكون هو السمة الايجابية الرئيسة في نظام الحساب الفردي الذي يكتنف في مجمله أضرارا بالغة الخطورة في حالة مشروع الجزيرة. وهي حالةٌ لها من التعقيد والتفرد ما لا تعرفه بقية المشاريع الزراعية الأخرى في السودان. فمشروع الجزيرة حالة خاصة ليس مثلها شيئ، لا على مستوى السودان ولا على مستوى العالم. فلذلك يجب ان يكون القانون الذي يحكم العمل في المشروع مستوعباً لتلك الحقيقة، والتي تتمثل في الوضعية الشائكة للأرض.
إن الأرض في مشروع الجزيرة فيها ما هو مملوك ملكية خاصة، ومسجل كحواشات باسم الملاك. ومنها ما هو مستأجر بواسطة الدولة من الملاك الخاصين وممنوح لمزارعين ليست لهم علاقة عقدية مباشرة مع أولئك الملاك، كما وان هناك ارض مملوكة بواسطة الدولة وممنوحة كحواشات لمزارعين ليست لهم ملكيات في الارض هم الآخرون. ما من محيصٍ للقانون البديل من ان يضع في نصبه هذه الحقيقة والوضعية العصية لأرض الجزيرة. إن القانون البديل وفي تصديه لمعالجة ذلك يجب ان يمنع على المزارع التصرف في ملكية الحواشة ولا بأي وسيلة كانت البيع أو الهبة أو غيرهما، لأن ملكية الحواشة والانتفاع بها مقصودٌ بهما الأسرة في المقام الأول وليس الأفراد، وذلك لان الحواشة هي عامل الاستقرار الاجتماعي الأول والاهم في المشروع.
لابد من النص في القانون البديل على تبعية المشروع لولاية الجزيرة، وان تكون بنياته الأساسية وأصوله ملك للولاية وللمزارعين. وان يكون أطراف الشراكة في المشروع هم المزارعون والإدارة وولاية الجزيرة، على أن تُمثل الحكومة المركزية بواسطة وزارة المالية في مجلس إدارة المشروع وبدون أي سلطات تنفيذية، مع إعادة تركيب الإدارة على ما كانت عليه من قبل، وعلى أن يُحال دور ومهام الحكومة المركزية فيما هو متعلق بإدارة المشروع سابقاً إلى حكومة ولاية الجزيرة.
وان تكون شركة الأقطان تحت التبعية والإشراف المباشر لولاية الجزيرة، ونقل رئاستها إلى مدينة ود مدني ويتم تعيين إدارتها بواسطة حكومة ولاية الجزيرة والمزارعين، ممثلين في ذلك بإتحادهم، أي إتحاد مشروع الجزيرة والمناقل.
ولابد من النص أيضا على أن للقطاع الخاص دورٌ مساعد في العمليات الإنتاجية وفق شروط المنافسة الحرة، ولكنه، أي القطاع الخاص، ليس طرفاً أصيلاً من أطراف الشراكة في المشروع كما نص وبدون وجه حق قانون سنة 2005م سيئ الصيت.
ولكن قبل كل هذا وذاك، لابد من إعادة كل الممتلكات المسروقة من أصول المشروع، وتلك التي بيعت للرأسماليين الإسلاميين الجدد بأثمان زهيدة، وكذلك تلك التي آلت إليهم عن طريق النهب والتعدي. وثمّ انه لابد من محاسبة كل من الجهات التي اتخذت قراراً بالتصرف في تلك الأصول وتقديم الأفراد والمؤسسات التي قامت بذلك إلى سوح المساءلة القانونية.
إنه لابد من إشراك المزارعين في صياغة ومناقشة قضايا وبنود القانون البديل، على ان يتم كل ذلك على أساس شعبي وديمقراطي، وان يكون هناك ممثلين حقيقيين للمزارعين. وان يتم عرض نتائج التداول بشكل مباشر على كل الأطراف المكونة لمشروع الجزيرة، وذلك لأجل التأكد من عكس إرادتهم في القانون قبل إجازته بواسطة الجهات التشريعية العليا إن كان في برلمان الولاية أو في البرلمان المركزي.
لقد أصبح تبني قانون ديمقراطي في مشروع الجزيرة ضرورة تاريخية ووطنية، وذلك بالقطع ما نادت به أطراف وطنية عدة يجيئ على رأسها تنظيم تحالف المزارعين، الذي يقود نضال مزارعي الجزيرة والمناقل الآن في سبيل إنجاز تلك المهمة. إن البديل الأوحد لغير ذلك هو النهج الذي تسير عليه سلطة الرأسمالية الطفيلية الآن والمتمثل في تمسكها بفرض قانون سنة 2005م رغماً عن إرادة أهل الجزيرة. وذلك نهجٌ، وفي وضع السودان الحالي وبعد أن ذهب جزء عزيز من شعبه وترابه، لن يقد إلا لتأكيد حقيقةٍ واحدة وهي ان الموقف الجائر من قضية مشروع الجزيرة سيجعل منه يقيناً "بوابة العبور الأخيرة نحو تفكك الدولة السودانية"، وهو عبورٌ دامي نحو نهاياتٍ كارثية ومظلمة.
ــــــــــــــــ
(*) ورقة تمّ تقديمها في ندوة تدشين كتاب "مشروع الجزيرة وجريمة قانون سنة 2005م" والتي كان أن استضافها منبر 21/24 بولاية فرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية في يوم السبت 30 ابريل 2011م.
(**) نُشِر بـ"جريدة الأيام" 10 يوليو 2011م.