المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما بين أهل الجزيرة والشريف عمر بدر هذا هو أول الغيث!!!.


عمر محمد الأمين
09-18-2011, 05:46 PM
ما بين أهل الجزيرة والشريف عمر بدر هذا هو أول الغيث!!!.
صديق عبد الهادي
[email protected]
إن الشهادة التي أدلى بها رئيس مجلس إدارة مشروع الجزيرة، الشريف عمر بدر، أمام محكمة الطعون الإدارية العليا في يوم 12 سبتمبر 2011،
تمثل امرأ بالغ الدلالة، وتحولاً مهماً في مسيرة الصراع الذي خاضه حتى الآن، وسيظل يخوضه، أهل الجزيرة في عمومهم، من مزارعين، وملاك وعمال زراعيين، وعاملين وموظفين، لأجل الدفاع عن مشروعهم.
خاصة في هذا الظرف الحرج من تاريخ الوطن الذي أصبحت تتسرب فيه أطرافه من بين أيدي الناس ومن أمام أعينهم في مشهدٍ يشبه الكابوس بالرغم من واقعيته وحقيقته!!!.

إن الشريف عمر بدر ليس بشخصٍ أو مسئؤلٍ عادي، فهو رجلٌ يتربع على قمة أكبر مشروع زراعي في العالم تحت إدارة واحدة.
وهو واحدٌ من فئة قليلة تحسب على أصابع اليد الواحدة، في هذا البلد الذي كان شاسعاً ذات يوم.
بيد الشريف بدر ليس فقط حياة 130 ألف مزارعٍ ومالكٍ وأسرهم، وإنما بيده، عملياً، مصير ما يقارب الستة ملايين من البشر، وهم جملة سكان منطقة الجزيرة.
ليس هناك من رئيس مجلس إدارة، لا على مستوى السودان وقد لا يكون حتى على مستوى العالم، توفر له التمتع بمثل هذا الوضع، وتوفرت له التكأة على مثل هذا النفوذ الواسع. وخاصة أن موضوع الأمر والنهي في المشروع انقاد له في ظل نظامٍ شمولي هو نفسه جزء أصيل منه.
إن الشريف يعرف حقيقة ذلك النفوذ الذي بين يديه، وكذلك حقيقة السلطات المطلقة التي أضفتها عليه شمولية نظام الإنقاذ.
إن اعتراف الشريف عمر بدر بأن قرار "توفيق أراضي الملاك في المشروع لم يكن صادراً عن رئاسة الجمهورية أو مجلس الوزراء أو النهضة الزراعية، وإنما هو قرارٌ أتخذه مجلس إدارة المشروع"، لهو اعتراف يستوجب الوقوف لأجل بيان دلالاته المتعددة ومن ثم تشريحها.
إن أولى الدلالات هي أن لمجلس إدارة مشروع الجزيرة ضلعٌ وافر في اتخاذ مجمل القرارات التي شكَّلتْ جريمة القضاء على مشروع الجزيرة، وانه، أي المجلس، متواطئ عن علم ودراية مع كل الجهات المحلية منها والأجنبية التي لها مصلحة فى القضاء على مشروع الجزيرة واقتلاع أهله من الجذور.
كما وان الدلالة الأخرى هي، انه إذا كان مجلس إدارة مشروع الجزيرة على هذا المستوى من الضعف الأخلاقي والقيادي، الذي يمنعه من أن يواجه المزارعين والملاك بحقيقة اتخاذه لذلك القرار على خطورته، فما المانع من أن القرارات، وبالتحديد، الخاصة ببيع ممتلكات وأصول المشروع قد أتخذها هذا المجلس نفسه، وقام بالفعل بإدارة مجمل عمليات النهب التي تعرض لها المشروع؟!.

ولكن من الناحية الأخرى، وبرغمه، لا يمكننا أن نأخذ اعتراف الشريف بدر على محمل الحقيقة المطلقة
باعتبار أن في ذلك تبرئة واضحة في شأن رئاسة الجمهورية أو مجلس الوزراء أو النهضة الزراعية،
وذلك لجملة أسباب منها أن الأطراف والجماعات التي تمثل نظام الإنقاذ تعمل في توافق كامل،
وتتقاسم الأدوار كما اقتسامها للغنائم. فمجلسٌ يتمتع بذلك المستوى الأخلاقي والقيادي،
لا نعتقد انه يقوى، وتحت اي ظرف، على انتحال صفة الجهة التي تحركه وترسم له ما يجب أن يتًّبِعه.

إنه، ومن المعلوم، أن أطراف هذا النظام تعمل في أتساق تام خاصة فيما يتعلق بإلحاق الضرر وإدارة الأذى.
فلذلك ما كانت، ولن تكن، كل تلك الأطراف ببعيدة عن ذلك القرار ولو تمّ الإدعاء والاعتراف بأن أتخذه "مجلس الإدارة"، لان تكوين مجلس الإدارة نفسه يؤكد تلك الحقيقة. فحسب ما هو وارد في قانون مشروع الجزيرة لسنة 2005 سئ الذكر، فإن مجلس الإدارة يـتألف من رئيس المجلس، المدير العام، ممثلي اتحاد المزارعين، ممثلي العاملين وممثلي الوزارات ذات الصلة. إن "الوزارات ذات الصلة" هي الحكومة نفسها، وبكل جهاتها التنفيذية منها والأمنية!!!.

لابد لمجلس إدارة مشروع الجزيرة واتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل من معرفة أن معركة أهل الجزيرة معهم ومع النظام الذي يمثلونه هي معركة طويلة وجادة،
لن تتوفر لهم فيها المقدرة لأجل الثبات على لعب أدوارهم في "مسرحية" افتداء بعضهم البعض!!!.
وذلك لسببٍ بسيط وواضح وهو أن المعركة التي تدور رحاها في منطقة الجزيرة هي ليست حول قضايا سياسية ثانوية،
وإنما في الأساس حول جرائم جنائية ارتكبت في حق أهل الجزيرة وفي الاعتداء على حقوقهم،
شواهدها وشهودها وشهاداتها موثقة،
مثل القول الذي من نافلته: " فهناك مشروعات عملاقة قامت باسم المزارعين. كان يقود إدارتها إتحاد المزارعين، فشلت واختفت تماماً من الوجود، وصارت أثرا بعد عين نذكر منها على سبيل المثال:-
• مؤسسة المزارعين التعاونية.
• مطاحن الغلال بقوز كبرو
• مصنع نسيج المزارعين (شرق مدني ـ الملكية)،
• مصنع ألبان الجزيرة."

وإلى أن تصل الشهادة للقول:-
"6- إن تصفية وبيع بعض من أصول مشروع الجزيرة يحدث لأول مرة منذ إنشاء المشروع، وكان من المفترض أن تؤهل لا أن تصفى، لأنها العمود الفقري للنشاط الزراعي بالمشروع. عليه توصي اللجنة بوقف تصفية وبيع أصول المشروع من منشآت ومباني وغيرها فوراً، وإجراء تحقيق عن الأسباب التي أدت إلى ذلك ولماذا حدث هذا أصلا ومن الذين تسببوا في ذلك". ( تقرير مشروع الجزيرة الحالة الراهنة وكيفية الإصلاح، لجنة بروفسور عبد الله عبد السلام، ص 37).
إن السؤالين اللذين انتهى بهما الاقتطاف أعلاه، وهما، (1) ولماذا حدث هذا أصلا؟، و(2) ومن الذين تسببوا في ذلك؟، يمثلان طرفاً واحداً من جملة الأسئلة التي يصعب فيها "الافتداء"، وذلك لان ممتلكات المزارعين وأصول المشروع لابد وان ترجع، وعلى دائر "المليم"!!!.

إن الذي حدث في مشروع الجزيرة لم يكن منبتّاً وإنما مرتبط بظاهرة ممارسة الفساد، تلك الظاهرة التي وسمت نظام الإنقاذ وبوأته مكانه اللائق، بحسبه النظام الأفسد في تاريخ السودان المعاصر. إن قانون سنة 2005 لمشروع الجزيرة يمثل التجلي الأسمى لذلك الفساد، حيث توحدت فيه إرادة "الثالوث الطاغي" الحكومة المركزية ومجلس الإدارة وإتحاد المزارعين. إن الذي يجري في مشروع الجزيرة هو جزءٌ من فسادٍ منظم تديره الدولة التي يديرها حزبٌ واحد، وهو حزب المؤتمر الوطني، والذي هو بدوره تديره فئة، وينفذ سياسته أفراد من بينهم الشريف عمر بدر.

إنه، وفي معالجة ما لحق بمشروع الجزيرة، وفي سبيل استرداد ما تمّ التعدي عليه فيه لابد من التذكير بحقيقة إن العالم اليوم أصبح يضع يده على حصيلة جديدة لتجارب جديدة قامت بها شعوبٌ كان يُعتقد بأنها، وحتى الأمس، ما زالت خارج دائرة فعل التغيير إن لم تكن خارج التاريخ المعاصر نفسه. وبفضل هذه الحصيلة فقد أضحت بعض القضايا تمثل هماً عالمياً، حيث لم تعد ملاحقة الفاسدين والمعتدين على ثروات شعوبهم امرأ محلياً، وإنما واجباً يتداعى له كل الخيرين في العالم، أفرادا وأمم. فلقد رأينا كيف أن الأموال المودعة بواسطة الطغاة والمحتالين من أرباب الديكتاتوريات في خزائن الدول الأخرى تُرد بواسطة تلك الدول، لان تلك الأموال هي ثروات تخص أمم تمّ السطو والتعدي عليها تحت قهر الدولة واحتكار السلطة وغياب القانون!!!. فالذي جرى في مشروع الجزيرة فقد جرى على هذا المنوال. فلذلك ستكون ملاحقة منْ تعدوا عليه في سوح القضاء هي المهمة المتقدمة على سواها.
يقع على عاتق السودانيين عموماً وأهل مشروع الجزيرة على وجه الخصوص واجب أن يتقدموا بكل المعلومات التي لديهم والمتعلقة بجريمة القضاء على مشروع الجزيرة، والمتعلقة كذلك بجريمة تشريد أهله. والآن قد وضحت ثمار المجابهة التي ظلّ يقودها تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل وكل تنظيمات المجتمع المدني لأجل حماية مشروع الجزيرة وصون الحياة فيه. حقاً، إنه ما ضاع حق وراءه مطالب، وما اعتراف رئيس مجلس إدارة مشروع الجزيرة، الشريف عمر بدر، في ساحة القضاء إلا أول الغيث!!!.
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
(*) بالتزامن مع جريدتي "الايام" و"الميدان" في يوم 18 سبتمبر 2011م