المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السودان: على أي جانبيه يميل .. - منقول


عمر محمد الأمين
01-05-2012, 06:27 AM
السودان: على أي جانبيه يميل ..

محمد المكي إبراهيم
[email protected]

رفرفت الدولة السودانية خلال عمرها القصير بجناحين من عروبة وافريقانية. ولم يكن ذلك أمرا صعبا ولا مؤذيا فقد كان محمد احمد المحجوب يدخل أرقى الصالونات العربية ويستمع إلى حديثه عرب فاغري الأفواه دهشة وانبهارا وكذلك كان شأن منصور خالد في محافل الافارقة وهو يخاطبهم بانجليزيته المنتقاة ومن خلف هذين الزعيمين كان رعيل كامل من السفراء والدبلوماسيين والفنانين والمثقفين يضيئ دروب العلاقات الافروعربية بحرارة إيمانهم وإخلاصهم لقضايا الجانبين وهم رعيل يمتد من عبد الكريم ميرغني إلى مصطفى مدني إلى صلاح احمد إبراهيم إلى نور الدين ساتي في هذا الزمان.وفي ساحة الفن والإبداع كان عبد الكريم الكابلي يغني لعبد الناصر بنفس الحرارة التي يغني بها لغابات كينيا الزاهرة وجومو كنياتا البطل. ولذلك اعتبر أننا لم نأت بجديد يوم تحدثنا عن الغابة والصحراء فقد تقمصنا واقعا ماثلا دون أن نخترعه اختراعا وسعين إلى تكريسه وتخليده كوصفة روحية تغتني بها وجداناتنا وتمتلئ بها أرواحنا كمهمة قارية يقوم بها سودان مستنير.وينبغي أن أسارع إلى القول إننا لم نكن من دعاة المفاضلة والتغليب فنحن عرب متأفرقون وأفارقة مستعربون وقد يكون بيننا عرب خلص أو أفارقة خلص فمرحبا بهم أيان كانوا ولا حاجة بهم إلى الخروج من أرواحهم لينضموا إلى الرعيل. كما انه ليس مطلوبا من السوداني تغليب عروبته على أفريقيته أو الأخيرة على الأولى فذلك شبيه بتغليب اليد اليسرى على اليمنى في سؤال افتراضي وغير منطقي.ولكن الذين وقفوا على الجانب الآخر قالوا إن عروبتهم هي الأصل وأنهم لا يبالون بظلال السواد المرتسم على تقاطيعهم وشايعهم متدينون يرون أن أضواء الإيمان الباهرة من شأنها أن تخفي الفروق الاثنية بين الناس بحيث لا يكون هنالك من فرق بين أبيض وأسود إلا بالتقوى.ولقد عشنا ورأينا المعاملة التي حظي به أولئك الأماثل في بلاد العرب حين أخذ مسئول كبير للإقامة في ما يسمى عند الفرنجة شامبر دي بون كما رأينا التجانب الديني الذي أعرب عنه زوارهم من المسلمين البيضان وهم يختلقون الحجج والمعاذير ليتجنبوا الصلاة خلف واحد من مضيفيهم السود.
*
تجمعت الروافد الاثنية والعرقية لدى أولئك المستعربين والمتدينين والمتظاهرين بالتدين لتجعلهم يتخذون قرارهم المشئوم ببتر الجنوب من خريطة الوطن ولفترة قصيرة بعد تلك الفعلة النكراء راحوا يتباهون بذلك كعمل من أعمال البطولة يؤهل قادتهم لجائزة نوبل ويمكنهم من فرض دولة إسلامية كاملة الدسم على المستعمرة الوحيدة التي بقيت لهم وهي شمال السودان. وما كادوا يفرغون من توديع الجنوب حتى تبددت الأحلام واكتشفت بقايا دولة السودان القديم أن ثوبها لا يغطيها فإذا جذبته لفوق بانت سيقان الدجاج التي تسير عليها وإذا جذبته إلى فوق انكشفت الليمونتان المغضنتان على صدرها.وفي حمأة فشلها وعجزها لم تجد الدولة الممزوعة الثوب من تلجأ إليه سوى عشيرتها الأقربين من عرب الجزيرة والخليج أو من توهمت أنهم عشيرتها الأقربون.
ولكنها كانت قد أوغرت صدور هؤلاء بما جرته على إسلامهم وعروبتهم من سمعة سيئة بجلدها مرتديات البنطلون ومنعها حفلات المرح البريء وبترها الأيادي والسيقان وأخيرا بفصلها الجنوب عن الشمال ليتحول إلى دولة صديقة لإسرائيل تقف شوكة في خاصرة الوطن العربي وتتهدده بقطع مصادره المائية وتركيعه على ركبتيه. وبسبب من ذلك ترددت كبرى الدول العربية (اقتصاديا) وحوقلت وبسملت ثم قالت لطالبي عونها:"الحقيقة نحن نترك مسائل الاستثمارات هذه للقطاع الخاص ولا نكرههم على شيء ولكن من اجل عيونكم العسلية سنوعز إلى احد أفراد العائلة المالكة لينظر في أمر مساعدتكم" .وبعد أسبوعين ثلاثة جاء المنتظر ناثرا حول نفسه قنابل الدخان وبعد أن تسلم الدكتوراه الفخرية من جامعة البلاد الأعرق قام بمنحها مليونا من الدولارات وهرب بجلده.
وعلى الجانب الآخر لم يكن الجفاء الأفريقي اقل وضوحا فقد اعترض سبيل السودان إلى عضوية مجموعة شرق أفريقيا كلا من يوغندا وتنزانيا ومارستا ضده الفيتو .واستمعت محكمة كينية لدعوى ضد بلادها وأصدرت قرارها بوجوب قيام سلطاتها التنفيذية بإلقاء القبض على الرئيس السوداني متى وطأت قدماه الأراضي الكينية مرة ثانية. وهكذا فشلت الدولة الممزوعة في دغمسة نفسها للعرب بينما اعتقلها الأفارقة بتهمة استخدام جواز مزيف.
*
في الماضي كان من الممكن - نظريا- نشوء وضع من ذلك النوع ولكنه كان ممكنا الميل من جانب إلى جانب فإذا غاضبنا أهلنا العرب "ميلنا" على الأفارقة وإذا غاضبنا هؤلاء "ميلنا" على أولئك.أما اليوم فنحن أشبه بالوضع الذي صوره المتنبي لأميره حين قال: وسوى الروم خلف ظهرك روم فعلى أي جانبيك تميل؟فقد ساء عرب ذلك الزمان أن يتصدى ذلك الملك الشاب وإمارته الحدودية الصغيرة لجهاد الروم وغزوهم بالشواتي والصوائف بينما يخلد بقية الأعراب إلى بياتهم الشتوي وبنفس الوقت يهب البيزنطيون بوجه الغازي ويردون الصاع صاعين –متى استطاعوا- لذلك المجتريء.وكل ذلك مع مراعاة الفارق ففي حالتنا الراهنة ظل أبو زيد يجعجع ويفتري على شعبه ولكنه لا غزا ولا شاف الغزوة ولم يحقق انتصارا على احد سوى انتصاره على شعبه قبل اثنين وعشرين من الأعوام.
فعلى أي جانبيه يميل هذا السودان المحاصر الذي تبرع بثلث مساحته للصهيونيين وطعن أمتيه (العربية والأفريقية) في الخاصرة دون أن يستفيد من ذلك شيئا فقد تبخرت وعود إعفاء الديون ووعود إقامة السفارة الأمريكية الأكبر على أراضيه وصدق عليه المثل العربي القديم :يداك أوكتا وفوك نفخ*.
لقد كتبت الإنقاذ نهاية نفسها بنفسها يوم قبلت بنيفاشا ومهرتها بتوقيعها بكثير من الاستخفاف لتعود بعد شهرين فقط لتتعلم أن الجنوب ليس عبئا على الشمال بقدر ما هو أخ شقيق وشريك في المصادر الاقتصادية وان خروجه من معادلة الدخل القومي يورث الشمال ضعفا وهزالا اقتصاديا ويهبط بمكانته بين الدول إلى أسفل سافلين.

*أصل المثل أن احد الناس أراد أن يعبر نهر الدجلة فاخذ قربة ونفخ فيها ثم ربطها ربطا محكما ليمنع خروج الهواء وحضنها إلى صدره ونزل إلى الماء فلما وصل الغريق شعر بالهواء يتسرب من القربة بما يتهدده بالغرق فجعل يستنجد بالواقفين على الضفة التي يقصدها فسمعه احدهم وفهم موقفه فرد عليه ذلك الرد القاسي: أنت الذي ادخل نفسه في المأزق فان يداك ربطتا القربة دون أن تحكم ربطها وفمك هو الذي نفخ فيها الهواء فلم يملأها على الوجه المناسب.

منقول

عمر محمد الأمين
01-05-2012, 06:59 AM
بخٍ بخً
مقالات و وكتابات الأستاذ الشاعر الكبير محمد المكي إبراهيم لها أكثر من وجه:
فبالإضافة لغزارة المادة التي ترد فيها ودسمها، وعمق التحليل و التوصيف لحالنا المائل،
هي دائما قطعة أدبية رائعة تفيض شعرا وموسيقى بالرغم من كونها قد تكون مقالة سياسية أو اجتماعية ،
فتأمل يا هذا
يورد الأستاذ الكاتب دائما وبتلقائية البحر الذاخر الكثير من الحكم والأمثال و الشعر،
فالقارئ و المطلع على مقالاته دائما يخرج كاسبا،
ونعم الكسب المعرفة

مجتبى ميرغني
01-05-2012, 10:49 AM
بارك الله فيك أخ عمر وماحرمنا من جديدك

عيبدة احمد دفع الله
01-05-2012, 03:34 PM
مشكور شيخ عمر وتحية طيبة لك وللأخ مجتبي وبارك الله فيكم.
الأنقاذ انطبق عليها المثل البقول (التسوي بإيد بغلب أجاويدك) , وانت ماشاء الله عليك زدت (سوات فم ) إذا كان سوات اليد براها بتغلب الأجاويد ديل جابوا ليهم سوات يد وخشم وسوات الخشم قديمة من زمن يونس محمود , علينا بالصبر والله يصلح الحال ويهديم للرأي السديد ويحافظوا على الشعب الفضل.