المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هيلين توماس».. اشترت ضميرها مقابل البيت الأبيض


جلك
06-16-2010, 02:23 PM
« هيلين توماس».. اشترت ضميرها مقابل البيت الأبيض

بقلـم: شعـبــــان عـبــــد الرحـمـــــــن
ليست المرة الأولى التي يفيض فيها الكَيْل من اليهود بشخصية مرموقة مثل عميدة الصحافة الأمريكية السيدة المحترمة «هيلين توماس» ولن تكون المرة الأخيرة.. فالسجل متخمٌ برؤساء وقادة سياسيين وكتّاب ومفكرين حملوا في صدورهم براكين من الغضب حيال اليهود ومسالكهم الخسيسة عبر التاريخ دون أن يجرؤوا على كشفها، والتاريخ شاهد على العديد من القادة في الغرب الذين حملوا في صدورهم مرارات وصبّوها في كتابات تم دفنها، ولم تظهر إلا بعد وفاتهم أو في تسجيلات صوتية لم يعرف العالم بها إلا بعد الإفراج عنها، وهي تكشف حالة من الاشمئزاز من السياسات الصهيونية المشينة، وقد ظلت السيدة «هيلين توماس» (89 عاماً) الصحفية المخضرمة المتخصصة في شؤون البيت الأبيض منذ عام 1960م؛ تحبس آراءها عن عدوانية الصهاينة وشرورهم على الأرض، حتى سقطت في فخ الحاخام «دافيد نسينوف» أثناء حضورها احتفالاً في البيت الأبيض يوم الإثنين السابع من يونيو 2010م، بما يسمى يوم «التراث اليهودي الأمريكي»، فقد سألها الحاخام لحساب موقع «راباي لايف» اليهودي الإلكتروني سألها - دون أن يكون هناك تسجيل واضح - قائلاً:
- ماذا تقولين لـ«إسرائيل»؟
- فأجابت: «أحثّهم على مغادرة فلسطين، تذكروا أن الفلسطينيين يعيشون تحت الاحتلال، وأن فلسطين هي أرضهم».
- ماذا يفعل «الإسرائيليون» إذاً؟
- فتجيب: «فليذهبوا إلى ديارهم، إلى ألمانيا، إلى بولندا.. والعودة إلى ألمانيا وبولندا والولايات المتحدة والبلاد الأخرى التي أتوا منها في بادئ الأمر».
على الفور انتشر خبر تصريحات الصحفية المخضرمة على مواقع «اليوتيوب» والإنترنت في العالم، وحمل الشريط التسجيلي في نهايته سؤالاً استفزازياً من الحاخام للقراء والمستمعين: «هل يمكن لـ«هيلين توماس» أن تغطي الأخبار بعدم تحيّز؟»؛ فانهالت الانتقادات والشتائم عليها من أكثر من مليون و100 ألف شاهدوا اللقطات في الساعات الأولى!

ولعل المنطق يقول: إنه كان ينبغي الإصغاء جيداً لهذه الخبيرة التي تحظى بالاحترام في طول أمريكا وعرضها، وهي من هي؟.. هي واحدة من السيدات الـ25 الأكثر تأثيراً في العالم، وهي صاحبة المقعد الدائم في الصف الأول بين الصحفيين المعتمدين بالبيت الأبيض، وهو شرف كبير لم ينله الكثيرون في تاريخ الصحافة الأمريكية.
فهي التي غطت أخبار عشرة رؤساء أمريكيين منذ عهد الرئيس «جون كينيدي» حتى عهد الرئيس «أوباما» (من عام 1960 - 2010م) لحساب وكالة ««يونايتد برس إنترناشيونال» قبل أن تصبح كاتبة عمود في صحف «هيرست» قبل عشر سنوات.
كل ذلك التاريخ لم يشفع لها، فبعد أن كانت «أيقونة الصحافة الأمريكية»؛ صارت سيدة آثمة تستحق التوبيخ.. وبعد أن كان الجميع يتسابق إليها بمجرد ظهورها في أي مكان؛ أصبحوا يتهربون ويتبرؤون منها.. ورغم اعتذارها عما قالت وتقاعدها نهائياً عن مهنة الصحافة، لكن الجميع واصلوا لعنها، فقد تم إلغاء عمودها الصحفي في صحف «هيرست» لتختفي بذلك من عالم الصحافة نهائياً، وأعلنت شركة العلاقات العامة «المتحدثون التسعة» إلغاء تعاقدها مع «هيلين» لإلقاء خطب مقابل عائد مادي جيد.
وصدر توبيخ حادّ لها من جانب البيت الأبيض، فقد وصف المتحدث باسم البيت الأبيض «روبرت جيبس» تصريحاتها بأنها «عدائية وغير مسؤولة وتستدعي التوبيخ...»، وقالت «رابطة مراسلي البيت الأبيض»: إن تصريحات «توماس» «لا يمكن الدفاع عنها».
حتى الصحفي «كرايج كراوفورد» الذي شاركها تأليف كتاب «أصغ سيدي الرئيس»، لم يكن أفضل حالاً من غيره؛ فقد أعلن في تعليق على مدونته الإلكترونية تخلّيه عن «توماس»، وقال: إنه لم يعد يعمل مع «هيلين» في أي مشاريع كُتبٍ. ولم تألُ الصحافة الصهيونية - بالطبع - جهداًً في وصفها بـ«النازية وعدوّة الإنسانية».
وهكذا تجري مطاردتها من كل حدب وصوب؛ في الحياة العامة والحياة الصحفية، ولو استطاعوا دفنها تحت الأرض لفعلوا.
لكن الدنيا لم تظلم كلها في وجه تلك السيدة المحترمة، فقد بدا شعاع من أمل في بقية من ضمير لدى الآلة الإعلامية الغربية؛ حيث وقفت عدة مواقع إلكترونية معها، وأبرزها موقع «التلاقي الاجتماعي» Reddit.com الذي دعا إلى إطلاق حملة لإهدائها باقات زهور، كما حصل في عام 2008م عقب توجيهها أسئلة اُعتبرت محرجة وقتها للرئيس الأمريكي «جورج بوش» الابن، وقال بعض المعلقين في الموقع: إن شراء الزهور والورود لن يفيد كثيراً، مطالباً بشراء «وكالة أنباء» لـ«هيلين توماس»، بينما علق آخرون بضرورة شراء مجموعة «فوكس نيوز» الإخبارية ذات الميول الصهيونية وإهدائها لسيدة الصحافة الأمريكية.
والفخ الذي وقعت فيه «هيلين توماس» كاد يتورط فيه أحد الصحفيين الكبار قبل نصف قرن، وقد سجل ذلك الموقف الصحفي الكبير «جون هو هنبرج» في كتابه المرجع بعنوان «الصحفي المحترف» الصادر عام 1960م، حيث قال:
«... وأذكر أنني كنت في خريف عام 1959م في لندن، وكانت الجزيرة البريطانية تضجّ بحادث هروب رأسمالي يهودي لـ«اسرائيل» بعد أن اختلس أموال المساهمين الإنجليز العاديين، وكان الرأي العام البريطاني كله مشحوناً بالغضب والحقد ضد «إسرائيل»، فزرت يومها صحيفة «الإيكونوميست»، وتحدثت مع رئيس قسم الشرق الأوسط فيها «أندرو بويد» عن قضية فلسطين، فأبدى تفهماً كاملاً للقضية، وأظهر عطفاً على مطالب العرب، وعندما سألته: لماذا لا يستغل الظرف فيكتب شيئاً بهذه المناسبة عن خطر «إسرائيل» لا على الدول العربية وحدها وإنما على دول العالم كلها؛ إذ يمكن لـ«إسرائيل» أن تصبح ملجأًً لكل صهيوني مختلس أو مجرم هارب من العدالة...؟ فأجاب بكل صدق: «وهل تريدني أن أصبح عاطلاً عن العمل؛ فلن أجد صحيفة واحدة تفتح في وجهي باب العمل... غير أن المقال لن يجد مكاناً للنشر إلا في الصحف العربية...؟».. هكذا لخّص رئيس قسم الشرق الأوسط بصحيفة «الإيكونوميست» المسألة قبل نصف قرن؛ وهي سيطرة اليهود على ينابيع الآلة الإعلامية والسياسية في العالم، وقدرتهم الجهنمية في تجفيف تلك الينابيع عندما يريدون، ولذلك فقد خشيهم الجميع واحتاطوا من أن تنطق شفاههم بكلمة حق تنتقد الصهاينة رغم ما تنطوي عليه قلوبهم من براكين غضب عليهم.
وبين واقعة رئيس قسم الشرق الأوسط بصحيفة «الإيكونوميست» عام 1959م وواقعة «توماس هيلين» خمسين عاماً، وقعت خلالها أحداث مشابهة لساسة ورؤساء تكشف عن براكين من الغضب والحنق على الصهاينة، ولكنهم كتموا أنفاسهم حتى لا يسمع بهم أحد، فقد ظل «تشرشل» رئيس الوزراء البريطاني الشهير ممسكاً عما يعتمل في قلبه من براكين الغضب ضد اليهود دون أن يعلنه على الملأ، لكن الغضب كان يغالبه؛ فخطّ مقالاًًً عام 1937م قبيل الحرب العالمية الثانية (1939- 1945م)، حمّل فيه اليهود مسؤولية جزئية عن «العدائية التي يعانون منها»، إلا أنه وهو رئيس وزراء بريطانيا العظمى لم يجرؤ على نشر المقال، حتى عُثر عليه بين أوراقه عام 1967م، أي بعد ثلاثين عاماً؛ فأحدث ضجة أكثر مما أحدثتها تصريحات السيدة المحترمة هيلين «توماس» اليوم!
والرئيس الأمريكي «هاري ترومان» - وهو أول رئيس أمريكي يعترف بالكيان الصهيوني عام 1948م - صبّ في يومياته التي نشرت - بعد وفاته بالطبع - على موقع «مكتبة ترومان» على الإنترنت صبّ جام غضبه على اليهود قائلاً:
«... إن اليهود أنانيون جداً جداً.. وحين يتمتعون بالسلطة المالية فإنهم لا يدعون «هتلر» أو «ستالين» يتفوقان عليهم فظاظةً وسوء معاملة تجاه الناس العاديين...».
وقد أصدر الرئيس «بنيامين فرانكلين» الذي يُعد أحد مؤسسي الولايات المتحدة والملقب بـ«سقراط أمريكا» وثيقة عام 1789م خلال المؤتمر الدستوري، قال فيها: «هناك خطر كبير على الولايات المتحدة الأمريكية يتمثل في اليهود.. ففي كل أرض استوطنها اليهود خفضوا المستوى الأخلاقي، وخفضوا درجة الاستقامة التجارية، لقد خلقوا دولة داخل دولة، وعندما كانوا يُعترضون كانوا يحاولون خنق الأمة مالياً... إن لم يتم إبعادهم عن الولايات المتحدة بواسطة الدستور؛ فإنهم وخلال أقل من مائة عام سيتدفقون على البلاد بأعداد كبيرة، بحيث يحكموننا ويدمروننا» (من محاضر مسودّة الدستور الأمريكي في المؤتمر الدستوري المنعقد عام 1789م - ومؤسسة «فرانكلين» في فيلادلفيا).

وفي عام 1999أفرج الأرشيف القومي الأمريكي عن كامل الأحاديث الصوتية التي أجراها الرئيس الأسبق «ريتشارد نيكسون»؛ فانكشف عمق الغضب والكراهية الذي يحمله «نيكسون» لليهود، وحسب مجلة «ذي تايمز» الأمريكية، فقد ورد في تلك الأشرطة خلال حديث لـ«نيكسون» مع «هولدمن» رئيس هيئة موظفي البيت الأبيض أن «معظم اليهود غير مخلصين.. لا يمكنك بصفة عامة الثقة في الأوغاد، فهم ينقلبون عليك.. هل أنا محق أم غير محق؟ ورد «هولدمن» بالقول: أنت محق.. توجههم العام ضدك.. وهم أذكياء ولديهم القدرة للقيام بما يريدون؛ وهو الإضرار بك» (الشرق الأوسط 14/10/1999م نقلاً عن مجلة «ذي تايمز»).
المشاعر نفسها حملها الرئيس «جيرالد فورد» الذي خلف «نيكسون» بعد فضيحة «ووترجيت»؛ إذ قال لأحد أعضاء الكونجرس الأمريكي متعجباً: «هل سنسمح لليهود أن يحكموا السياسة الخارجية الأمريكية»؟!
وقال الرئيس «جيمي كارتر» لأحد المقربين إليه عام 1980م: «إذا ما تمت إعادة انتخابي فسوف أقسو على اليهود»، ولعل إصداره كتابه الأخير الذي أدان فيه الجرائم الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني تجسد هذه الرؤية.
ويكشف الكاتب الأمريكي «جيفري ويتكروفت» صاحب كتاب «الجدل حول أرض صهيون» والحائز على جائزة أفضل كتاب أمريكي قبل عدة سنوات كذب المواقف الأمريكية المؤيدة لليهود علناً بقوله: «لقد كشفت المصافحات التي غلبت عليها المجاملة ما أُطلق عليه العلاقة الثلاثية بين «إسرائيل» والولايات المتحدة واليهود الأمريكيين، ولكن تلك مظاهر تخفي وراءها أحد أكبر أسرار العصر، وهو الكراهية التي يكنها الرؤساء الأمريكيون لـ«إسرائيل»، ففي العلن يجب على أي سياسي لديه أدنى طموح للرئاسة أن يحفظ عن ظهر قلب ما يلي: إن «إسرائيل» هي أوثق أصدقاء أمريكا في الشرق الأوسط.. لكن الحديث في الجلسات الخاصة يأخذ منحى آخر»... أليس ذلك هو عين ما يفعله كبار الساسة الأمريكان والغربيين اليوم؟!
وفي إطار كل تلك الملابسات، فإن مَن يجرؤ على الإعلان عن انتقاده أو عدم رضاه عن «إسرائيل» أو اليهود؛ يكون في عالم اليهود أشبه بمن يقوم بعملية استشهادية، فيحق عليه الإعدام الأدبي والزج في السجون، خاصة بعد إصدار الأمم المتحدة - بضغوط صهيونية - قراراً في 26 يناير 2007م يدين أي إنكار لمحرقة اليهود، وإصدار الإدارة الأمريكية قانوناً يجرِّم معاداة السامية، وسير عدد من الدول الأوروبية في هذا الاتجاه!! وما جرى للمفكر الفرنسي «رجاء جارودي»، ثم للمؤرخ البريطاني «ديفيد إيفرنج» (69 عاماً) من اغتيال معنوي وإنساني خير مثال.
ومن هنا، فإن كلمات الكاتب الأمريكي الجريء «بول فندلي» التي صدرت في واحدة من لحظات غضبه: «ليتحرر الأمريكيون من العبودية لآثام إسرائيل» تظل سارية في أدراج الرياح!

(*) كاتب مصري - مدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية