المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الزراعة العضويّة.. الحلم و الحقيقة--- منقول


عمر محمد الأمين
02-26-2012, 08:15 AM
هذا المقال (بقلم متخصص) مرتبط بصناعة المبيد العضوي وتداعيات استخدام المبيدات الكيمائية

الرأي العام الصادرة بتاريخ السبت 25 فبراير 2012

الزراعة العضويّة.. الحلم و الحقيقة
د. عصام الدين بشير محمّد كبّاشي

الموضة كلمة مشتقّة من الكلمة الإنجليزيّة (Modern) -أي -حديث رغم أنّ الكلمة أصبحت تستخدم كما هي لتلبي حاجة بعض المستغربين (نسبة إلى الغرب) للوصف.
كما تستخدم حزمة من الكلمات الإنجليزيّة و اللاتينيّة الأخرى لنفس الغرض و غالباً من الفرنسيّة ككلمة origionale)) و هي نفس الكلمة بالإنجليزيّة بنقص الحرف الأخير و الذي يلغي المد في الكلمة. كما أصبحت كلمة (style) تستخدم لتوصيف الحالة الأرفع، من الناس المواكبين لأسلوب (الصيحات) في دنيا الأزياء و كل أدوات الرفاهيّة العصريّة.
طبعاً الموضوع أخذ منحى لغويا و اجتماعيا قد لا يمت للعنوان بصلة مباشرة و لكن أقول أنّ الموضة أصبحت تطرق أبواب مجتمعنا بشدّة في كافة المناحي الحياتيّة و منها غير المعقول أيضاً.
ذلك أنّ العرس تطوّر من زمن (السباتة)، و هي برش (بساط من السعف المستخرج من جريد النخل) خاص كبير الحجم و مشكّل بصورة رائعة،
كان يستخدم لرقص العروس في الزمان الفائت و تغنّى بذلك الفنان عبد الرحمن عبد الله و آخرون.
أصبح رقص العروس الآن في الصالات لبعض المقتدرين المتفرنجين و أصبح إيجار الصالة من بين أكبر البنود صرفاً بالنسبة للعريس و حتى في دول الخليج العربي مع مراعاة فروق الصالات.
و من بين هذه الموضات الآن الرياضة في الصالات و الترويج للمأكولات العضويّة.
و بما أننّا أصبحنا نقلّد الغرب في غالب أمورنا الحياتيّة فإنّه لمن دواعي الفطنة و الكياسة أن نستصحب التحليل العلمي الذي يحوي أيضاً أعرافنا و قيمنا والتي يلتزم بها شعب الغرب كثيراً جدّاً بينما نتبعهم في القشور. و إن بقيت القشور مفيدة في صناعة الدقيق العضوي والذي ينتج منه الخبز البني الأغلى ثمناً في أوروبا و أمريكا.
الزراعة العضويّة
هي الزراعة الطبيعيّة تماماً التي لا تستخدم فيها مواد صناعيّة مطلقاً كالمبيدات و الأسمدة و الهرمونات و كافة المعاملات غير الطبيعيّة الأخرى.
كما أن المنتج العضوي المصنّع من هذه المنتجات يجب ألا يضاف إليه منتجات صناعيّة كالمضافات المنكّهة و الحافظة و المالئة و ما إلى ذلك.
و بهذا التعريف المتعارف عليه نجد أنّ السّودان من الأقطار الأكبر في الإنتاج الزراعي العضوي. و هذا الأمر لم يكن مقصوداً و إنّما لنقص الإمكانيات اللازمة لتوفير المدخلات الزراعيّة الصناعيّة في كثير من بقاعه.

الزراعة غير العضويّة
استخدمت المبيدات الزراعيّة الصناعيّة لأوّل مرّة في الحرب العالميّة الثانيّة (أربعينات القرن الماضي) و ذلك بعد اكتشاف أل (DDT) و استغلاله لمكافحة القمل لدى الجنود لمكافحة الحميات و منها الحمّى الراجعة الوبائيّة التي يسببها القمل بنقل بكتيريا البوريلا spp.) Borrelia) لداخل جسم الإنسان. ثمّ جرى توظيفه في مكافحة الآفات الزراعيّة و هذا يعني أنّ استخدام المدخلات الصناعيّة في الزراعة يناهز السبعة عقود فقط في العالم.
و لكن هذا التطوّر الكبير في الزراعة، الذي نتجت عنه وفرة عظيمة و أرباحا طائلة في العالم و السّودان في مقدمتها، جلب العديد من المشاكل و التعقيدات البيئيّة و الصحيّة و الإنتاجيّة أيضاً ما لا يمكن إحصاؤه بدقة. ذلك أنّ التبعات البيئيّة السالبة لتلكم الاستخدامات تضم (1) الترسبات طويلة الأجل للمبيدات في التربة و في المياه و الكائنات الحيّة نفسها و التي دفعت بالسلطات الأمريكيّة إلى منع استخدام أل (DDT) في بداية سبعينات القرن الماضي و ذلك عندما كشفت الأبحاث عن أنّه هو المتسبّب في التناقص الكبير في أعداد صقر الأصلع (Bald Eagle) و ذلك بتأثيره على ترسب الكالسيوم في البيض ما يؤدي إلى تكسره قبل الفقس.

كما أنّ هذا المبيد وجدت فيه ظاهرة التضاعف الإحيائي و هي أنّ أجزاء المبيد تتضاعف في أفراد السلسلة الغذائيّة فمثلاً قد تبدأ بجزء في المليون في الحشرة و تنتهي بآلاف ج ف م في الصقور التي تأكل الثعابين آكلة الضفادع التي تتغذّى على الحشرات.
و في السّودان أجريت دراسات على هذا المبيد أسفرت عن وجود هذا المبيد في تربة لم يستخدم فيها كمنطقة أم روابة و هي دراسة ماجستير لطالب مع د. أزهري عمر عبد الباقي بكليّة الزراعة جامعة الخرطوم كما أجرت طالبة ماجستير بجامعة الجزيرة دراسة على الرُضّع أثبتت وجود بقايا المبيد في ألبانهنّ.
يجدر ذكره أنّ هذا المبيد أستخدم في السّودان حتى ثمانينات القرن الماضي!
(2) أدى الاستخدام المكثّف لهذه المبيدات إلى التوسّع في صناعتها الأمر الذي أضاف إلى الاحتباس الحراري العالمي .
(3) هذا بالإضافة إلى التأثير السالب لهذه المبيدات على الأعداء الطبيعيّة للآفات و الحشرات المفيدة كالنحل و هنالك جوانب متعددة أخرى لا يمكن حصرها في هذه العجالة.
و الجوانب الصحيّة تضم
(1) تنامي تأثير المبيدات على صحة الإنسان كالحساسيّات و التسمم الفردى و الجماعي إلخ....
(2) بعض المبيدات أثبتت أنّها مسرطنة و محوّرة للموروثات و تشويه الأجنّة كالإندوسلفان .
(3) متبقيات المبيدات مشكلة معقدة و شائعة خاصة في دول العالم النامي و ذلك لعدم إتّباع طرق الاستخدام السليم و المرشّد لهذه الكيماويات.

و المشاكل الإنتاجيّة للكيماويات الزراعيّة تضم :
(1) ارتفاع أسعار هذه المدخلات مما يضعف الربح المتوقع
(2) تنامي مقاومة الآفات للمبيدات ما يزيد من مضاعفة الجرعات و بالتالي رفع تكلفة الإنتاج
(3) قلة الإقبال العالمي على المنتج غير العضوي و تواضع أسعاره ما ينتج عنه ربحية غير مشجعة أو خسائر في الغالب.... إلخ.

مبررات استخدام هذه المدخلات الصناعيّة
إذاً ما هي مبررات استخدام هذه المدخلات الصناعيّة؟ فالوفرة لتلكم المدخلات و سهولة المعاملة من الأسباب الرئيسة لاختيار هذه المدخلات. هذا بالإضافة إلى الربحيّة العالية التي يحققها المنتج بهذه المواد جملةً. فالآفات الزراعيّة كثيرة و متنوعة و كل عام يتم اكتشاف عدد منها فمحصول الطماطم مثلاً (و تعرف بملكة الخضروات) له آفات عديدة أضيفت لها أخرى تدعى توتا أخذت الصدارة منذ حوالي العامين كما أنّ الأمراض تزاحم الحشرات في الأهميّة و يمكن أن تقضي على المحصول أو أن تقلل من قيمته السوقيّة عالميّاً و أحياناً محليّاً و خير مثال لذلك السموم الفطريّة التي تلقى اهتماما قوميّاً هذه الأيّام.

و النوعيّة المنتجة يمكن أن تتأثر بالإصابة الحشريّة، فالقطن تأثّر بتأخر مبيدات حشرة المن في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي و أحرز درجات دنيا لتلوثّه بالعسل المنتج من هذه الحشرات و أثّر هذا على أرباح المزارعين بصورة غير مسبوقة. و إنتاج الباذنجان، مثلاً، تأثّر بصورة مذهلة إثر إصابته بثاقبات الساق ( (Stem Borers التي تقتل النبتة بأكملها.
و في السنوات الأخيرة احتلت حشرات ذباب فاكهة المانجو و الجوّافة الصدارة في إعاقة تصدير هاتين الفاكهتين و سجلّت نتائج عير مسبوقة في الخسائر ما دفع بعض المزارعين إلى التفكير باستبدالها و أصبحت من الأمور المحيّرة للعلماء و الدولة. فمكافحتها تتطلّب وصف مبيدات مجازة الأمر الذي يحتاج زمناًغير يسير و هذا يأتي مربوطاً بالإتجاه العالمي نحو المنتجات البيولوجية أو العضويّة (Biological/Organic) و أسعارها الخرافيّة.
و قد رأيت بأم عيني سعرين لطماطم عضوية و آخر لطماطم منتجة بمدخلات صناعية بأشتدغارد بألمانيا و كانت قيمة الأوّل ثلاثة أضعاف قيمة الآخر! و الدولة الآن استخدمت مبيدات، غير مجازة للغرض و مجازة في محاصيل أخرى، للحد من هجمة ذباب الفاكهة. و لمعرفتنا بالمنحى العام للزراعة في السّودان فقد قمت بإجراء تجربة ناجحة لإجازة مبيد صناعي حميد (و حميد هذه نسبة لآثاره السالبة القليلة) و مبيدين عضويين لمكافحة هذه الحشرات علاوة على معاملات طبيعيّة أيضاً لما بعد الحصاد حتى نلحق منتجاتنا هذه بالسوق العالمي.
و هنا لا أغفل دور الفرمونات المستخدمة من قبل برنامج اللجنة العليا القوميّة لمكافحة هذه الحشرات.
و رغم أنني كنت أوّل من سجّل هذه الآفة على فاكهة المانجو إضافة إلى أكبر عدد من الأبحاث فيها إلا أنني لم أحظ بعضويّة هذه اللجنة أو دعمها لتلكم الدراسات أو حتى تبنيها لمخرجات تفيد العامّة و الخاصّة.
و عليه نجد أنّ مبررات إستخدام المواد الزراعيّة الصناعيّة قد يكون لقرار إدراي محض في بعض الأحايين!

العضويّة في السّودان فطرة أم فكرة
إنّ زراعة السّودان معظمها عضويّ بالفطرة التي لم تشوبها صناعيات الزراعة المتطوّرة. فكركدي و صمغ و فول و سمسم كردفان و درافور عضوي و يتبعه غالب المحاصيل المطريّة و سمسم القضارف إذ اكتشف في بعض صادراته منذ سنوات خلت متبقيات كادت تصدف بالمشترين العالميين عنه.
و في السنوات الأخيرة درجت بعض الجهات الحكوميّة و الخاصّة على نيل شهادات العضويّة للمنتجات فقد سجلت وزارة الزراعة بالخرطوم بساتين مشروع الشعب.
و لكي نحافظ على هذا الإرث الذي هو كالذهب المنتشر في بلادنا (أرض الذهب = أرض النوبة ، و نوب باللغة السّودانيّة القديمة معناها ذهب) لا بد من سياسات دقيقة و نافذة.
و الآن جاءت للسّودان فكرة العضويّة الوافدة لتجد أرضاً مفعمة بتلكم المحاصيل في معظم أرجائها و التي لم تطبّق فيها أساليب الزراعة الحديثة و هذا ما يسمّى بالتناقض الظاهري و غير الحقيقي (Paradox)بالنسبة للحداثة و التخلّف.

المطلوب
الواجب على الدولة تبني خطط و برامج غير خياليّة للإنتاج العضوي و ذلك بتشجيعه و وضع مواصفات له بالأسواق حتى يلحق بما يجري في العالم من فوائد و أرباح و رواج. كما على الوزارات المعنيّة بذلك كافة تبني نفس الأسلوب كالبحوث العلميّة التطبيقيّة و الخطط المرحليّة.

هذا و يجب على علمائنا تناول الأمور بعلميّة و منهجيّة و تبصير موضوعي دون اندفاع نحو (الموضة العضويّة) العالميّة.
فأساليب الإنتاج المتبعة الآن و رغم مشاكلها مهمّة لسد فجوة الغذاء في بلادنا كما أنّ البدائل لم تكن ميسرة و لم تعط الألويّة الكافية لتحل محل المدخلات الصناعيّة.
و شعوب عالم ما وراء البحار لهم حياة مترفة جدّاً و يبحثون عن الرفاهيّة في كآفة أسباب العيش الرغد و لكم أن تتصوروا أنّ لهؤلاء متاجر تعرض ساعة يد بعشرين ألف يورو (نعم 20 ألف يورو ) و ما علينا إلا أن نحوّل هذا المبلغ للواقع (الرسمي أو الموازي) لمعرفة القيمة الخياليّة.

و هنا أقول للدكتور عبد القادر مستشار الجودة أنّ الدول الأوربيّة هي الأكثر استخداما للمبيدات و الملوثات الصناعيّة كافة
و أنّها تصدر إلينا مشاكلها كما تصدّر ثقافتها و المضافات و المأكولات الحديثة التي تهاجمها، سعادة المستشار، هي من صنعهم
و لكن يجب عليك و من خلفك كل العلماء التوعية العلميّة قبل التوعية الثوريّة عن تلكم الأنماط ذات الإرث القوي و المتبنّى بشدّة.
و لا يفوتني أن أثني على إسهاماتك الإعلاميّة ذات الجمهور العريض.

عمر محمد الأمين
02-27-2012, 04:38 AM
هذا المقال (بقلم متخصص) مرتبط بصناعة المبيد العضوي وتداعيات استخدام المبيدات الكيمائية



د. عصام الدين بشير محمّد كبّاشي


و هنا أقول للدكتور عبد القادر مستشار الجودة أنّ الدول الأوربيّة هي الأكثر استخداما للمبيدات و الملوثات الصناعيّة كافة
و أنّها تصدر إلينا مشاكلها كما تصدّر ثقافتها و المضافات و المأكولات الحديثة التي تهاجمها، سعادة المستشار، هي من صنعهم
و لكن يجب عليك و من خلفك كل العلماء التوعية العلميّة قبل التوعية الثوريّة عن تلكم الأنماط ذات الإرث القوي و المتبنّى بشدّة.
و لا يفوتني أن أثني على إسهاماتك الإعلاميّة ذات الجمهور العريض.


الددكتور عبد القادر المشار إليه في هذا الاقتباس هو الأخ د. عبد القادر محمد عبد القادر
و الذي جعل من برنامجه الإذاعي وسيلة لتوعية الناس و تمليكهم أهمية الغذاء العضوي
والاهتمام بصحتهم دون الجري خلف الإعلان و الموضة، لتعافوا ويصحوا
وهذه بصمة وادي شعيرية أخرى
فحق لنا أن نفخر به وبما يقوم به من جهد
شكرا اخي الدكتور