المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شوفوا سيارتكم المهندس لايكذب


الهادي الامام محمد
10-20-2010, 08:23 AM
بعد طول الغياب لاسباب فنيه قرأت نعي المهندس عبد الله الحاج فخالجني القيام برثائيه ونعيه اسوة بمن سبقوني، حيث ان وجوده قد شكل ظاهرة تستدعى الوقوف لندرس ، ونتذكر ، ونتحلى بتلك القيم الراسخه التي تحلى بها :

رحم الله المهندس عبد الله الحاج رحمة واسعة وادخله فسيح جنانته مع الصديقين والشهداء انا لله وانا اليه راجعون0

فالرجل قد كان قامة في العلم قامة في الصدق قامة في التواضع وحسن الخلق والمعشر والعفه واحترام المبدأ والاعتزاز بالفكر والراي فهو رجل اكاديمي بحت من أوئل الخرجيين في كلية الهندسه بالمعهد الفني سابقا (جامعة السودان حاليا) متخصصا في الكهرباء ، ومن كان ذو علم في تلكم الايام كان مرموقا بين الناس ويشار اليه بالبنان حتى يقال عنه (ياليت لنا مثل ما أوتى انه لذو حظيم) حيث كان الحظ من العلم شحيحا وقتذاك 0

الا انه لم يكن مكابرا بعلمه ولا مباهيا بوضعه الوظيفي ، كان محبوبا بين الناس ، ترتاح له النفوس وتسعد بلقائه ، تمتع بصفات حميدة جمه فكان التواضع سمته، والعلم تاجه ، والصدق ردائه ، والعفة كبريائه 0 والحياء خلقه 0

اما عن الاولى: فقد كان مع الكبير كبيرا ، ومع الشاب شابا، ومع الصغير صغيرا ، ومع الجاهل حليما ، يدرك هذه الصفات ويقر بها كل من خالطه أو شاءت الظروف ان تجمعه به ولو برهة من الزمان ، وقد كان لي حظ بلقائه لاباس به ، رغم طول الغربه والغياب0

واما الثانيه : فهو من اوئل مهندسى الكهرباء في السودان ومشهود له بأكادميته البحته وعلمه الغزير، وثقافته الثره، واطلاعه الواسع ، علما بانه قد ابتعث لبريطانيا لنيل درجة الماجستير في الكهرباء في ثماينات هذا القرن، الا ان هناك مكائد دبربت من خلفه ، خالطتها ظروف سياسيه في العهد المايوي ، مما حال دون اكمال دراسته واعيد للسودان عند بداية ابتعاثه0

اما الثالثة : فقد اوردها الاخ عمر محمد الامين في رثائه حين ذكر قصته الشهيره (ابحثوا عن سيارتكم فان المهندس لايكذب ) وكفى بها شهاده0

والرابعه: يحكى عنها وضعه المادي بعد ترك الوظيفه وعائدها المادي ، وبريقها الاجتماعي وهو في قمة هرمها ، حيث في زهد في كل ذلك ليعيش مزارعا فقيرا ، بسيطا ، عفيفا ، في احضان أهله، يأكل مما يأكلون، ويشرب ممايشربون ، يخالطهم في السراء والضراء ، ويسكن منزلا بسيطا شيده من مستحاقات معاشه ، كان الكتاب صديقه والخلوة شأنه 0
وزهد في هذا المنزل ايضا ليبعيه عندما ضاقت به الحال غير أسفا عليه، ليعف تلك النفس الزكيه الطاهره ، التي ما اعتادت قط ان تكون دنيه ، وغيره ممن باع ضميره قد سكن في العمارات والابراج بعد ان تدنى للسلطان والسلطات ، فهو عارف بقدر نفسه ، لايهمه من امر الدنيا شيئا فعندما بادرات احد قريباته فقالت له (ياعبد الله بعت بيتك اكان مت ساكت يغسلوك وين ) فقال لها ( في الجامع ) فهي تعنى خشيتها من الشماته عليه بحسب عاداتنا ومورثاتنا ، وهو يعني قول الشاعر:
(انا عشت لست اعدم قوتا وان مت لست اعـــــدم قبرا)
(همتي همت الملوك ونفسى نفس حر ترى المزلة كفرا)

اما الخامسة: فقد كان غاية في الحياء، ، لم يكن فاحشا ولابذيئا ولاجارحا ، هينا لينا ، ذو ظرف في طبعه ، وسخرية في طرائفه، تخالج حديثه و تنم عن خيال واسع وبديهة حاضره ، وحكم ثاقبه، يكثر الناس من تناول طرائفه في المجالس فهى كالازهارفي رحيقها والفاكه في طعمها 0

لاتجد عناء او مشقة في الدخول اليه ، بل هو من يهوى لمقامك ليأنس بمعرفتك ويبادلك الحديث والسؤال عن حالك ، فيحكى ان احد الآنسات من بنات البلد قد التقت به في حافلة فقال لها اتي من وين يا بت : فقالت له من وادي شعير( فلانه بنت فلان) 0 فبادرته هي ايضا بسؤلها حيث لم تكن تعرفه فقالت له واتا من وين فقال لها من (افرقيا الوسطى) وهي اجابه استنكاريه وتعجب ان يكون نكرة لاهل بلده (هكذا سمعت الطرفه ) وغير ذلك الكثير من طرفه المشهوره0

رحمه الله رحمة واسعة فقد ثقلت تلك النفس الكبيره على الجسد النحيل فآثرت تركه والرحيل من ضيق الدنيا لسعة الآخره اللهم تقبله قبولا حسنا وتجاوز عن سياته وابدله دارا خير من داره وأهلا خير من اهله اللهم انه ضيف عندك فوسع مدخله واكرم نزله واجزه بالاحسان احسنا وبالسيئات عفوا وغفرانا اللهم جنبه فتنة القبر وضيق اللحد وثبته عند السؤال 0 وارحمنا اذا صرنا الى ما صار اليه 0

وهكذا تفنى الاجساد، وتغيب الشخوص، وتظل الذكرى الطيبه، والعشره الحسنه، والخلق النبيل، تغتدي به الاجيال جيل بعد جيل 0

عمر محمد الأمين
10-20-2010, 07:29 PM
شكرا الهادي
حسب عبد الله أن خف لنعيه و الإشادة بشخصه و سلوكه وخلقه عارفو فضله بالرغم من فارق السن و تفاوت الأزمان و البعد المكاني
عبد الله كان يترك بصمته حيثما حل لأنه يحمل بضاعة لن تبور هي كريم القيم و الخصال،
وفوق ذاك و قبله احترام إنسانية الإنسان بما هو إنسان،
له أسلوب راق رصين جوده بكثرة الاطلاع و المعرفة
ويخط ذلك بخط بديع جميل فتكون رسالته لك بحق تحفة اسلوبا وخطا
رحم الله عبد الله وأحسن إليه