عمر محمد الأمين
03-02-2011, 07:18 AM
أيهما العبّ ...مشروع الإنقاذ ..أم ..مشروع الجزيرة !؟
( مشهد ثاني )
محمد عبد الله برقاوي..
[email protected]
حينما كانت الجزيرة منطقة جذب في تشّكل منظومتها الاجتماعية الرعوية و الزراعية ولاحظ الإمام المهدي الذي خبرها إبان تلقيه العلوم القرآنية والدينية فيها قبل قيامه بالثورة أو قل أثناء الإعداد لها بمسيد الشيخ القرشي ود الزين في سرة المنطقة.. طيبة ..قال في استشراف بليغ ( إن الجزيرة امرأة تحمل علي كتفيها رجلين ) ولكني أخشى إن هي سقطت عنهما ألا يقويا علي رفعها.. وكان يقصد بالرجلين النيلين الأبيض والأزرق كناية علي تحملها إطعام السودان كله بشكله القديم لما اعتراها من هجرات القبائل إليها من مختلف الضفاف والأصقاع رعاة يبحثون عن الكلاء ..ثم تحولوا إلي مزارعين بطرق الري المطري التقليدية بعد أن استصلحوا الأرض وقطعوا عنها الغابات قبلا وبسطوها..
وهاهي نبؤة الرجل الفقيه تتحقق متمثلة في حكم الإعدام وقد أصدرته حكومة الإنقاذ الرشيدة التي استمرأت قتل الأطراف الحية في السودان جزءا تلو الآخر باعتبارها أعباء ثقيلة يصعب جرها ..إذ لا يهمها بعد ذالك إن هي بقيت كسلطة ناشز في حد ذاتها عبئا علي التاريخ كله وصداعا يهيمن علي الرأس فقط ..بعد أن يذهب باقي الجسد..
لقد كان المشروع حتى قبل أن تنداح امتداداته الجديدة في المناقل مصدرا رئيسيا داعما للناتج القومي وعضدا قويا للاقتصاد منذ أن فكر الانجليز في إقامته لتغذية مصانع النسيج في بلادهم ..فبدأو في إنشائه حتى اكتمل مابين عامي 1925 و1928 بعدان تمددت شبكات الري الانسيابي من خزان ( مكوار ..أو سنار ) لتتشكل لوحة من الخضرة والماء زينها إنسان الجزيرة بوجهه الحسن فالا للوطن كله فتقاطرت جموع الناس لينهض مجتمع من التجانس الديمغرافي الفريد في رقعة جغرافية باتت تمثل نواة لمجتمع حضاري نشأت فيه المدارس الأولي في السودان في رفاعة والكاملين وحنتوب ..التي رفدت كلية غردون التذكارية ..جامعة الخرطوم حاليا بالطلاب الوطنيين الذين كانت الحكومة الانجليزية تفكر في الاستفادة منهم في توسيع الظل الإداري للبلاد ..فأضافت فيما بعد بعض المدارس في أنحاء أخري من السودان مثل خور طقت ..ووادي سيدنا في وقت لاحق..
ومن هنا تتضح جليا أهمية الجزيرة كمركز للإشعاع التعليمي ومنبتا للحس الوطني ومنارة للمشهد الثقافي بكافة ضروبه الفنية والرياضية ..مما شكل خطورة علي بقاء الاستعمار ذاته ..فكانت انطلاقة نادي الخريجين الحقيقية من وادمدني عاصمة مديرية النيل الأزرق بتكوينها الرحب قديما..ولكن المفارقة أن الحكومات الوطنية نفسها في مرحلة ما بعد الاستقلال ورغم قصر أعمار حكمها المتقطعة بدأت تنظر إلي الجزيرة مديرية ومشروعا شذرا إلا فيما ندر تحسبا لمد الوعي فيها ..فأسقطتها في فجوة الاستقطاب الحزبي .. حيث كانت طائفتا الأنصار والختمية تتجاذبانها كل إلي ناحيته ..في ترجيح بائن لصالح الأنصار عطفا علي نشأة المهدية التاريخية و انطلاقا من علاقة الإمام المهدي كما أسلفنا وللدور الهام الذي لعبه أهلها في مناصرته كأمراء ومحاربين ..بل إن ثورة جدنا الشيخ عبد القادر ودحبوبة كانت بلا منازع امتدادا حقيقيا للمهدية حاولت الثأر لها وإعادة خيمتها بعد ذهابها مع رياح غزوة كتشنر...
ولا يمكن تجاوز سطوة البيوتات الصوفية الزاهدة في موالاة الحكام في ذلك الوقت أو حتى استقبالهم أو طرق أبوابهم..
بيد أن الحرب الحقيقية للجزيرة ومشروعها بدأت مع نظام مايو ..حينما تأكد جعفر نميري من عناد أهل المنطقة في عدم الامتثال له علي مدي سنوات حكمه وتوسلاته لهم ..فاغرق المنطقة ببحور من الإهمال وطالت يد النظام تخريبا في بنية المشروع عموديا وأفقيا ..إذ بات حقلا للتجار ب في رفده بالخبرات الفطيرة من الإداريين والفنيين سواء علي مستوي الزراعة أو الري..في تناقض تام مع توجهات مايو لإقامة مصانع للنسيج كان ينبغي أن يكون وجودها حافزا لتقوية شوكة المشروع لا إضعافها ..فجعلت تلك السياسة منه شماعة لتعليق الفائض من كوادر الخريجين وغيرهم من المحسوبين علي النظام حتى ترهل ظله الإداري بما يفوق مساحة استيعابه الضرورية فضلا عن فورة الإنفاق التي استنزفت الإمكانات التي بدأت حلقتها تضيق وتتبدد أمام الضرورات اللوجستية من نقل وسكن ومخصصات لتلك الجيوش من الأفندية ..بالقدر الذي دفع الحكومة إلي تبديل سياسات علاقات الإنتاج التي تحكم الشراكة بين المزارعين والدولة وإدارة المشروع في تقلبات غير مدروسة.. فبات كل ذلك التخبط يقتطع من مردود الطرف الضعيف في تلك الشراكة.. وهو المزارع بالطبع..
وقد شهدنا في أسى شديد إبان سنوات مايو علي سبيل المثال لا الحصر إن خدمات إرسال مناسيب الري التي كانت تتم بالهواتف عبر القناطر قد عادت إلي مربع التبليغ بواسطة الدواب نظرا للتخريب الذي طال الشبكة الهاتفية التي كانت تربط حتى القرى بأبنائها البعيدين .. و اقتلعت جراء الإهمال أعمدتها وسرقت جهارا نهارا إلي أن أعادت تأهيلها حكومة السيد الصادق في النصف الثاني من الثمانينات وعلي نظام الطاقة الشمسية استفادة من قرض ياباني..وحتى هذه الأخيرة لم تصمد طويلا وذهبت مع رياح التخريب التي عادت من جديد لتذهب بالبقية الباقية من هياكل المشروع..
ليس بمقدوري أن اعدد كل العوامل التي أدت إلي قعود هذا المشروع العملاق عن أداء دوره الريادي نحو الوطن بصورة عامة وتجاه أهله من ناحية خاصة ..ولكن من الواضح أن سلطة الإنقاذ هي الأخرى التقطت قفاز العداء له ولأهل الجزيرة لمواصلة خطة تدميره متذرعة بشتى الحيل والمسببات بعضها ترده إلى عوامل عالمية بتراجع هيمنة القطن علي سوق المنسوجات ( الآن يستعيد علو كعبه من جديد في الأسواق العالمية !!!) وتارة إلى محاربتها من قبل أمريكا حتى لا نصبح منافسا لها في بورصة القمح العالمية ..ومرة بافتقاد أرضه لخصوبتها بالتالي ارتفاع تكلفة إعادة تأهيلها وما إلى ذلك من دواعي التغول علي حدوده إلى أن أصبح مشاعا علي طاولة التدمير والتعدي الذي قصد به إنسانه العنيد في مناطحة الظلم الشمولي وتمسكه بعقائده وقناعاته التاريخية رغم أصباغ الزيف التي حاول النظام دلقها في وجه الجزيرة بتفريخ كوادره المدجنة لإحلالهم مكان القيادات الصلبة التاريخية سواء في اتحاد المزارعين أو مجالس الإنتاج آو إدارة المشروع والولاية...ونقاباته... حيث فشلت كل البدائل و الاحلالات في قلب المعادلة فكانوا حقيقة تروسا فاعلة في آلة التخريب فسادا واقتساما وعوامل دفعت إلى توفير مسوغات النظام لاستهداف المشروع وتبرير الانقضاض علي أنقاضه ..كجزاء سنمار وحرقا لقلوب إنسانه بالصورة التي أدت إلى هذا المآل ..فطالت يد التخريب مؤسسات النسيج و طحن الغلال والمحالج وسكك حديد الجزيرة..وكافة الأصول التي تم التخلص منها بالبيع الرخيص أو زجها في مزاد التسويات مع العاملين ..والشواهد لا تحصى في ذلك الشأن..!
وحيال ذلك كله.. فليس أمام أهل الجزيرة مزارعين ومثقفين وعمال وطلاب الخ من رجال ونساء إلا الوقوف بصلابة إلى درجة الإضراب المدني في وجه السلطة وحكمها الجائر علي مشروعهم الذي يمثل الكرامة قبل أكل العيش.. حتى يعاد إلى مربع التحاور من جديد ..وبمعرفتهم الذاتية و مشاركتهم المباشرة كطرف أصيل عبر ممثلين جدد غير الذين عاموا في تيار السلطة الحالية انغماسا في مصالحهم الذاتية من قادة اتحاد المزارعين ونقابات العمال الذين انقلبوا علي المشروع وأهله وعاثوا فسادا في تقرير مصيره ..
فالثورة مطلوبة الآن من أهل الجزيرة قاطبة ليس بالطبع لمصلحتهم في حدودهم هم بل لمصلحة ما تبقي من السودان ..الذي إن سكت أهله علي نظرية أن كل من قال لا ..لنظام الإنقاذ هو عبء لابد أن يترجل من قاطرة الوطن .. فإنها في سبيل أن تسّلم السودان لعقارب ساعة القيامة ..فلن يبقي من ترابه في ظلها إلا ما يتيح لأقدام قادتها وحزبها الوقوف فوق روؤس موتاه قبل البعث..
ولعل الموضوع يحتمل المزيد من مساهمات الأقلام التي قد تكون أعرف مني بأشياء أخري تضيف بعدا للحقائق الغائبة أو للحلول..من منطلق التخصص الفني أو تراكمات الخبرة في العمل العام ..في جزيرتنا المنكوبة ومشروعها الموؤد..
والله المستعان ..وهو من وراء القصد.
( مشهد ثاني )
محمد عبد الله برقاوي..
[email protected]
حينما كانت الجزيرة منطقة جذب في تشّكل منظومتها الاجتماعية الرعوية و الزراعية ولاحظ الإمام المهدي الذي خبرها إبان تلقيه العلوم القرآنية والدينية فيها قبل قيامه بالثورة أو قل أثناء الإعداد لها بمسيد الشيخ القرشي ود الزين في سرة المنطقة.. طيبة ..قال في استشراف بليغ ( إن الجزيرة امرأة تحمل علي كتفيها رجلين ) ولكني أخشى إن هي سقطت عنهما ألا يقويا علي رفعها.. وكان يقصد بالرجلين النيلين الأبيض والأزرق كناية علي تحملها إطعام السودان كله بشكله القديم لما اعتراها من هجرات القبائل إليها من مختلف الضفاف والأصقاع رعاة يبحثون عن الكلاء ..ثم تحولوا إلي مزارعين بطرق الري المطري التقليدية بعد أن استصلحوا الأرض وقطعوا عنها الغابات قبلا وبسطوها..
وهاهي نبؤة الرجل الفقيه تتحقق متمثلة في حكم الإعدام وقد أصدرته حكومة الإنقاذ الرشيدة التي استمرأت قتل الأطراف الحية في السودان جزءا تلو الآخر باعتبارها أعباء ثقيلة يصعب جرها ..إذ لا يهمها بعد ذالك إن هي بقيت كسلطة ناشز في حد ذاتها عبئا علي التاريخ كله وصداعا يهيمن علي الرأس فقط ..بعد أن يذهب باقي الجسد..
لقد كان المشروع حتى قبل أن تنداح امتداداته الجديدة في المناقل مصدرا رئيسيا داعما للناتج القومي وعضدا قويا للاقتصاد منذ أن فكر الانجليز في إقامته لتغذية مصانع النسيج في بلادهم ..فبدأو في إنشائه حتى اكتمل مابين عامي 1925 و1928 بعدان تمددت شبكات الري الانسيابي من خزان ( مكوار ..أو سنار ) لتتشكل لوحة من الخضرة والماء زينها إنسان الجزيرة بوجهه الحسن فالا للوطن كله فتقاطرت جموع الناس لينهض مجتمع من التجانس الديمغرافي الفريد في رقعة جغرافية باتت تمثل نواة لمجتمع حضاري نشأت فيه المدارس الأولي في السودان في رفاعة والكاملين وحنتوب ..التي رفدت كلية غردون التذكارية ..جامعة الخرطوم حاليا بالطلاب الوطنيين الذين كانت الحكومة الانجليزية تفكر في الاستفادة منهم في توسيع الظل الإداري للبلاد ..فأضافت فيما بعد بعض المدارس في أنحاء أخري من السودان مثل خور طقت ..ووادي سيدنا في وقت لاحق..
ومن هنا تتضح جليا أهمية الجزيرة كمركز للإشعاع التعليمي ومنبتا للحس الوطني ومنارة للمشهد الثقافي بكافة ضروبه الفنية والرياضية ..مما شكل خطورة علي بقاء الاستعمار ذاته ..فكانت انطلاقة نادي الخريجين الحقيقية من وادمدني عاصمة مديرية النيل الأزرق بتكوينها الرحب قديما..ولكن المفارقة أن الحكومات الوطنية نفسها في مرحلة ما بعد الاستقلال ورغم قصر أعمار حكمها المتقطعة بدأت تنظر إلي الجزيرة مديرية ومشروعا شذرا إلا فيما ندر تحسبا لمد الوعي فيها ..فأسقطتها في فجوة الاستقطاب الحزبي .. حيث كانت طائفتا الأنصار والختمية تتجاذبانها كل إلي ناحيته ..في ترجيح بائن لصالح الأنصار عطفا علي نشأة المهدية التاريخية و انطلاقا من علاقة الإمام المهدي كما أسلفنا وللدور الهام الذي لعبه أهلها في مناصرته كأمراء ومحاربين ..بل إن ثورة جدنا الشيخ عبد القادر ودحبوبة كانت بلا منازع امتدادا حقيقيا للمهدية حاولت الثأر لها وإعادة خيمتها بعد ذهابها مع رياح غزوة كتشنر...
ولا يمكن تجاوز سطوة البيوتات الصوفية الزاهدة في موالاة الحكام في ذلك الوقت أو حتى استقبالهم أو طرق أبوابهم..
بيد أن الحرب الحقيقية للجزيرة ومشروعها بدأت مع نظام مايو ..حينما تأكد جعفر نميري من عناد أهل المنطقة في عدم الامتثال له علي مدي سنوات حكمه وتوسلاته لهم ..فاغرق المنطقة ببحور من الإهمال وطالت يد النظام تخريبا في بنية المشروع عموديا وأفقيا ..إذ بات حقلا للتجار ب في رفده بالخبرات الفطيرة من الإداريين والفنيين سواء علي مستوي الزراعة أو الري..في تناقض تام مع توجهات مايو لإقامة مصانع للنسيج كان ينبغي أن يكون وجودها حافزا لتقوية شوكة المشروع لا إضعافها ..فجعلت تلك السياسة منه شماعة لتعليق الفائض من كوادر الخريجين وغيرهم من المحسوبين علي النظام حتى ترهل ظله الإداري بما يفوق مساحة استيعابه الضرورية فضلا عن فورة الإنفاق التي استنزفت الإمكانات التي بدأت حلقتها تضيق وتتبدد أمام الضرورات اللوجستية من نقل وسكن ومخصصات لتلك الجيوش من الأفندية ..بالقدر الذي دفع الحكومة إلي تبديل سياسات علاقات الإنتاج التي تحكم الشراكة بين المزارعين والدولة وإدارة المشروع في تقلبات غير مدروسة.. فبات كل ذلك التخبط يقتطع من مردود الطرف الضعيف في تلك الشراكة.. وهو المزارع بالطبع..
وقد شهدنا في أسى شديد إبان سنوات مايو علي سبيل المثال لا الحصر إن خدمات إرسال مناسيب الري التي كانت تتم بالهواتف عبر القناطر قد عادت إلي مربع التبليغ بواسطة الدواب نظرا للتخريب الذي طال الشبكة الهاتفية التي كانت تربط حتى القرى بأبنائها البعيدين .. و اقتلعت جراء الإهمال أعمدتها وسرقت جهارا نهارا إلي أن أعادت تأهيلها حكومة السيد الصادق في النصف الثاني من الثمانينات وعلي نظام الطاقة الشمسية استفادة من قرض ياباني..وحتى هذه الأخيرة لم تصمد طويلا وذهبت مع رياح التخريب التي عادت من جديد لتذهب بالبقية الباقية من هياكل المشروع..
ليس بمقدوري أن اعدد كل العوامل التي أدت إلي قعود هذا المشروع العملاق عن أداء دوره الريادي نحو الوطن بصورة عامة وتجاه أهله من ناحية خاصة ..ولكن من الواضح أن سلطة الإنقاذ هي الأخرى التقطت قفاز العداء له ولأهل الجزيرة لمواصلة خطة تدميره متذرعة بشتى الحيل والمسببات بعضها ترده إلى عوامل عالمية بتراجع هيمنة القطن علي سوق المنسوجات ( الآن يستعيد علو كعبه من جديد في الأسواق العالمية !!!) وتارة إلى محاربتها من قبل أمريكا حتى لا نصبح منافسا لها في بورصة القمح العالمية ..ومرة بافتقاد أرضه لخصوبتها بالتالي ارتفاع تكلفة إعادة تأهيلها وما إلى ذلك من دواعي التغول علي حدوده إلى أن أصبح مشاعا علي طاولة التدمير والتعدي الذي قصد به إنسانه العنيد في مناطحة الظلم الشمولي وتمسكه بعقائده وقناعاته التاريخية رغم أصباغ الزيف التي حاول النظام دلقها في وجه الجزيرة بتفريخ كوادره المدجنة لإحلالهم مكان القيادات الصلبة التاريخية سواء في اتحاد المزارعين أو مجالس الإنتاج آو إدارة المشروع والولاية...ونقاباته... حيث فشلت كل البدائل و الاحلالات في قلب المعادلة فكانوا حقيقة تروسا فاعلة في آلة التخريب فسادا واقتساما وعوامل دفعت إلى توفير مسوغات النظام لاستهداف المشروع وتبرير الانقضاض علي أنقاضه ..كجزاء سنمار وحرقا لقلوب إنسانه بالصورة التي أدت إلى هذا المآل ..فطالت يد التخريب مؤسسات النسيج و طحن الغلال والمحالج وسكك حديد الجزيرة..وكافة الأصول التي تم التخلص منها بالبيع الرخيص أو زجها في مزاد التسويات مع العاملين ..والشواهد لا تحصى في ذلك الشأن..!
وحيال ذلك كله.. فليس أمام أهل الجزيرة مزارعين ومثقفين وعمال وطلاب الخ من رجال ونساء إلا الوقوف بصلابة إلى درجة الإضراب المدني في وجه السلطة وحكمها الجائر علي مشروعهم الذي يمثل الكرامة قبل أكل العيش.. حتى يعاد إلى مربع التحاور من جديد ..وبمعرفتهم الذاتية و مشاركتهم المباشرة كطرف أصيل عبر ممثلين جدد غير الذين عاموا في تيار السلطة الحالية انغماسا في مصالحهم الذاتية من قادة اتحاد المزارعين ونقابات العمال الذين انقلبوا علي المشروع وأهله وعاثوا فسادا في تقرير مصيره ..
فالثورة مطلوبة الآن من أهل الجزيرة قاطبة ليس بالطبع لمصلحتهم في حدودهم هم بل لمصلحة ما تبقي من السودان ..الذي إن سكت أهله علي نظرية أن كل من قال لا ..لنظام الإنقاذ هو عبء لابد أن يترجل من قاطرة الوطن .. فإنها في سبيل أن تسّلم السودان لعقارب ساعة القيامة ..فلن يبقي من ترابه في ظلها إلا ما يتيح لأقدام قادتها وحزبها الوقوف فوق روؤس موتاه قبل البعث..
ولعل الموضوع يحتمل المزيد من مساهمات الأقلام التي قد تكون أعرف مني بأشياء أخري تضيف بعدا للحقائق الغائبة أو للحلول..من منطلق التخصص الفني أو تراكمات الخبرة في العمل العام ..في جزيرتنا المنكوبة ومشروعها الموؤد..
والله المستعان ..وهو من وراء القصد.