المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : منابع النزاع: قضية الأطبّاء مثالاً1 (1من 4) == د. عبدالمنعم عبدالباقى على


عمر محمد الأمين
03-08-2011, 07:54 PM
هذه سلسلة مقالات خص بها الأخ دكتور عبد المنعم عبد الباقي علي منتديات وادي شعير في نفس الوقت مع سودانيال و الراكوبة نوعا من تواصله مع أهله في وادي شعير فله منا الشكر أجزله
عمر======



بسم الله الرحمن الرحيم
منابع النزاع: قضية الأطبّاء مثالاً1 (1من 4)
د. عبدالمنعم عبدالباقى على
[email protected]
الحلقة الأولى:
يُعرّف النزاع على أنّه عدم توافق أهداف أو قيم بين مجموعتين أو أكثر بينهما علاقة ويحاولان التحّكم على بعضهما البعض مع إضمار أحاسيس سالبة أو عدائية تجاه الطرف الآخر.
وقد حفّزنى النّزاع القائم بين وزارة الصحّة الاتّحاديّة ولجنة النوّاب من الأطباء للنظر فى أسباب وأنواع النزاعات عامّة، والتركيز على ما يحدث فى المجال الطبّى خاصّة، وتحليل أسباب وطريقة التخاطب والتواصل بين طرفى النزاع ونتيجة قرار التفاصل والحقوق والواجبات المرتبطة به.
والإنسان فى أىّ تفاعل مع غيره أو مع بيئته يدخل فى موقف أو مأزق وجودى، حسب حدّة الموقف وتهديده لغريزة البقاء، له مسبّباته ودوافعه ونتائجه. ولمعالجته فإنّ الإنسان يسعى لواحد من ثلاثة خيارات: لتقليل الخطر أو دفع الضرّ أو استكمال العافية حسب حيثيّات الموقف. والموقف إذا خرج عن دائرة التحكّم تصعب معالجته أو فى بعض الأحيان قد تستحيل، لذا فالنظر المسبق والتفكّر فى منابع النزاعات والكوارث المحتملة قد تمنع حدوثها وفى أسوأ الأحوال تقلّل من خطرها ودمارها. ونحن عند تعاملنا مع مستجدّات الكون من الأحداث فإنّنا نعيش فى دوائر مختلفة، حلقة فوقها حلقات مترادفة تبدأ بأصغرها، وهى "وحدة الإنسان"، ثمّ "وحدة العائلة" وتكبر حتّى تحيطها حدود دائرة الكون الكبرى وقوانينها والتى نحن محكومون بها. وبين كلّ دائرة وأخرى دورة تبدأ وتنتهى ثمّ تتجدّد.
فلنأخذ غرق العاصمة فى فصل الخريف من كلّ عام أو الحرب الأهليّة أو انتشار الأوبئة كأمثلة نجدها تشترك فى قواسم كثيرة أهمّها عدم التفكّر فى مسبّباتها، أو العمل على وضع خطط للحماية من وقوعها أو معالجتها قبل أن تستفحل إن حدثت، وكيف أنّ دائرة الفرد، بنوع تفكيره واعتقاده ومسعاه تؤثّر فى كلّ الدوائر المحيطة بها وتتفاعل معها ممّا يُنتج مواقفاً مختلفة متطوّرة أكثر تعقيداً.
وإضراب الأطبّاء بالذّات دائماً ما يواجه بمقاومة عظيمة ليست من الحكومة والشعب ولكن من داخل كتلة الأطبّاء لما تثيره من جدل قانونى وأخلاقى البعض يؤيّد والبعض يعارض.
وقد لخّص دكتور إدموند بليقرينو رئيس مجلس الأخلاق الأحيائى، والذى يشمل الطب، مشكلة الطبيب المضرب الفلسفية:
"لا شىء يوضح حقيقة أخلاق الطبيب المهنية غير تضارب مصالحه أو مصالحها مع مصالح المريض عندما يحاول أن يجد توازنا بينها وخاصة عند التفكير فى الإضراب وحرمان المريض من العلاج فى سبيل تحقيق دخلٍ أفضل أو شروط خدمة أحسن. فهل ممارسة مهنة الطب تلزم الطبيب لإنكار إحتياجاته المادية وحقوقه والتضحية بها، حتى وإن وضعته فى ظرف حرج، من أجل مصلحة المريض؟ وهل بعض الإيثار من الطبيب ملزم أخلاقياً أم أنّ تفكير الطبيب فى حقوقه تؤثّر تلقائيّاً على دوره المتوقّع أن يكون رسولاً للخير والانسانية؟"
وإذا تأملنا أسباب المعارضين والمساندين للإضراب فنجد بعض الحجج القوية من الجانبين فالذين عارضوا الإضراب احتجّوا بالآتى:
1- الإضراب سيؤدّى لمعاناة المرضى وموتهم وهو أمر يمكن تجنّبه إذا لم يضرب الأطباء.
2- الإضراب ضد قسم أبقراط الذى أقسموا عليه بألاّ يسببوا أىّ ضرر للمريض بفعل شىء أو الامتناع عن فعله.
3- بالإضراب ينفسخ العقد الضمنى المبرم بين المريض والطّبيب وهو أن يتوقّع المريض مساعدة الطبيب إذا سعى للعلاج.
4- سيبدو أنّ الأطبّاء يستخدمون المرضى الضعاف الذين لا ذنب لهم كرهائن من أجل كسب مادّى.
5- سيضر ويحطّم الإضراب صورة الأطبّاء كملائكة للرحمة يضحّون من أجل شفاء الآخرين.
6- الأطبّاء أغنى من معظم طبقات الشعب الفقيرة وسعيهم لتحسين وضعهم المادّى مجرّد جشع لا غير.

أمّا الذين دافعوا عن شرعية وأخلاقية الإضراب فقد احتجّوا بالآتى:-
1- الإضراب وسيلة ربمّا تضرّ بعض المرضى ولكن نفعه للطبيب والمرضى عامّة، بتحسين الخدمات الصحيّة وتفريغ الطبيب لرسالته بدلاً من هموم توفير العيش الكريم، أكثر من ضرّه.
2- بالرّغم من أنّ الطبيب له التزام قانونى وأخلاقى تجاه مجتمعه فللمجتمع نفس الإلتزام تجاهه وأقلّها توفير الحد الأدنى من العيش الكريم أسوة بزملائه فى نفس المهنة أو فى المهن الأخرى ويجب أن لا يستغل المجتمع طبيعة عمل الطبيب فيجعله بقرة حلوبة بابتزازه عاطفيّاً. فالطبيب له حقوق مثل الغير يرعاها الدستور أوّلها حقّه فى الحياة الكريمة والحريّة.
3- بعض الإزعاج للمرضى وعدم راحتهم لا يساوى عذاب ومعاناة الأطبّاء الذين لا يجدون ما يسدّ رمقهم.
4- إذا كان الأطبّاء يؤمنون بالفعل بتقديم خدمة نوعيّة للمرضى فى مشافى ذات مستوى عالٍ فيجب عليهم عند انتفاء مثل هذه الخدمات الإقدام على فعل شىء قد لا يجد السند والقبول الشعبى من أجل المواطن ونيابة عنه.
5- لأنّ ظروف الخدمة متدنيّة بشكل مريع فإنّه من واجب الأطبّاء الأخلاقى الإضراب حتى لا يكونوا جزءاً من تردّى الخدمات الطبيّة ويساعدوا عل استمراره وبهذا فهم يراعون حقوق المريض وهى استقلاليته وإعطاؤه فرص الاختيار للعلاج الأفضل وبذا يؤدّى الطبيب دوره فى توفير الخير للمريض بعدم وضعه فى موقع خطر أو تسبيب الأذى له والشىء الأخير هو توفير العدالة له بمعنى توفير خدمة تحترم إنسانيته وكرامته فى كلّ مرافق الصحة فى الوطن.
والذين تتبّعوا الصحف والنقاش على الصفحات الإسفيريّة للأطبّاء يستشفّون هذا الاختلاف خاصّة عندما شمل الإضراب الحوادث.
وقد قال الكثير من الأطبّاء أنّ مهنتهم رهينة قسم أبقراط الأخلاقى وهم بذلك فقد كسروا ما تعارف عليه الأطبّاء لأكثر من ألفى عام. ولكن إضراب الأطباء ليس بحدثٍ جديد فقد اضرب الأطبّاء فى أنحاء كثيرة من العالم شرقه وغربه وغالباً من أجل نفس الأسباب وهى الراتب وشروط الخدمة.
وأطول إضراب للأطبّاء كان فى مالطا واستمرّ لمدّة عشرة أعوام تدهورت خلالها الخدمات الصحيّة لدرجة مريعة وفقدت الجامعات الاعتراف العالمى من المجالس الطبيّة فى بريطانيا وأوروبا لأنّ أساتذة الجامعات غادروا لبلدان أخرى عندما أصرّت الحكومة على موقفها وتعاقدت مع أطبّاء ليبيين ومصرييّن وجزائريين ومن الكتلة الشرقية لتغطية العجز وألزمت الخريجين الجدد بالعمل فى المستشفيات الحكومية لمدة عامين وسرعان ما غادروا بلادهم بعد انتهاء المدّة .
والمضحك أنّ الحكومة دفعت لهم ثلاثة أضعاف راتب الطبيب المالطى مع أنّ الطبيب المالطى كان ينادى بأقلّ من ذلك. وعندما خسرت الحكومة الانتخابات حاولت الحكومة الجديدة تسوية المسألة مع الأطبّاء الوطنيين ولكن لم يرجع منهم أحد لأنّهم كانوا فى وظائف مرموقة ذات دخلٍ عالٍ فى الدول الأخرى. ويجدر ذكر أنّ أحسن الجرّاحين فى بريطانيا كانوا من الأطبّاء المالطيين.
لا شكّ أنّ إضرابات الأطبّاء تصيب الخدمات الصحيّة فى مقتل فى المدى القريب والبعيد. فأنا على يقين بأنّ معظم النوّاب الذين أضربوا حديثاً فى السودان سيفكّرون فى الهجرة وكذلك من يلحقهم وسيفكّر الأطبّاء الذين تداعبهم أحلام العودة لبلادهم ألف مرّة قبل أن يقدموا على مثل هذه الخطوة.
دعونا نتأمّل ما جرى بين الأطبّاء النوّاب ووزارة الصحّة الاتّحادية ونستجلى مسببّات حدوثه وتعقيده، ممّا أضرّ أكثر ممّا نفع، وإن بدا لنوّاب الأطبّاء، فى المدى القصير، غير ذلك.
فالقضيّة صارت حرباً ضروساً علت فيها مفاهيم النصر والهزيمة أكثر من مفاهيم الصحّة التى تقتصر على النّفع والضّر. والحرب كريهة بطبعها تنفر منها النّفس البشريّة لأنّ التحكّم فى مجراها تحكمه عوامل كثيرة وغالباً ما تؤدّى للخسارة أكثر من الرّبح (كُتب عليكم القتال وهو كره لكم). وقد صوّر الدّكتور كمال عبدالقادر، وكيل وزارة الصحّة الاتّحاديّة، ما حدث بمفاهيم الحرب عندما قال: "حلّت القضية بلا خاسر أو رابح".
وإذا تتبّعنا سلوك الطرفين فى أثناء النزاع نجده يثبت ما قلنا فهو لم يتعدّ الكرّ والفرّ والتهديد والترهيب، وهى عوامل الحرب النفسيّة، والهجمات المفاجئة وردّة الفعل عليها وسعى الأطراف للاستقواء على الخصم بالقوى الأخرى كمثل ادّعاء وزارة الصحّة تنفيذها لتوجيهات السيد رئيس الجمهوريّة، والتى نفتها لاحقاً، أو مقابلة أعضاء اللجنة لمعارضى الحكومة أو اختيارهم لوقت الانتخابات، وخصمهم فى أضعف حالاته، لشنّ هجومهم، ثمّ سعى الأطراف الأخرى للتوسّط بين الطرفين والحثّ على إبداء حسن النيّة، كمثل وقف التلاسن وعدم معاقبة الأطبّاء وتغطية الحوادث، وهى رمز لمرحلة وقف إطلاق النّار، قبل أن يُحلّ النزاع ويسود السلام الحذر ومن ثمّ السلام الدائم.
وأجدنى أستغرب ضيق فهم مفهوم الصحّة من قبل المهتمّين بالصحّة من مسئولين وأطبّاء، مع علمهم التّام بتعريفه، ولا أعنى بذلك فهمه عقليّاً ولكن إيماناً وتطبيقاً بصفاء ونور بصيرة وتهذيب نفس والعمل بالحقّ ومقاومة الباطل وهو كنه الحكمة . والتعريف يقول:
"الصحّة هى حالة العافية التّامّة جسديّاً ونفسيّاً واجتماعيّاً وروحيّاً وليس مجرد انعدام المرض أو الخلوّ من العاهة".
بمعنى آخر فالمظلوم مريض، والمنكوب مريض، والفقير مريض، والجاهل مريض والذى لا هدف له أو معنى لحياته مريض. فالمرض العضوى والنّفسى، والفقر والأمّيّة وانعدام المعنى للوجود كلّها أركان لبيت الدّاء ولبلوغ حالة العافية التّامة يجب هدّ هذه الأركان جميعاً، إذا كانت العافية هى الهدف الأسمى.

وإذا أخذنا وزارة الصحّة الاتّحاديّة كمثال نجدها وزارة فقيرة بمعنى الكلمة، والفقر حسب تعريفه:
"هو أن تكون الموارد الماديّة والنفسية والاجتماعية والثقافية\الروحية غير كافية ويؤدّى نقصها إلى منع الشخص من أداء وظائفه الحياتيّة، أو الحياة فى مستوى معيشى ملائم، أو المشاركة فى نشاط اجتماعى مباح، يُجمع المجتمع على ضرورتهم للشخص فى سياق ذلك المجتمع، وبمعنى آخر إذا لم يستطع المرء أن يكون فرداً فاعلاً فى مجتمعه نتيجة نقص موارده الماديّة والنفسيّة والاجتماعية والروحية فهو فقير ويعنى ذلك أنّه مريض". وللفقر درجات أشدّها الفقر المدقع.
فوزارة الصحّة الاتّحاديّة لا تملك موارداً ماليّة لأنّها ليس لها أولويّة عند الحكومة، فالصحّة والتّعليم ليسا من أولويّات الحكومة. فالحكومة أولويّاتها الأمن والسّلام والتشييد. فالأمن له القدخ المُعلّى من الميزانيّة، وهو قد تفرضه ظروف الواقع الذى يمرّ به السودان، ثمّ يليه السلام وذلك بترضية أعداء الأمس واليوم فى اقتسام الثروة والسلطة، والتى لها ثمن مادّى كبير، ومن ثمَّ تشييد الطرق والجسور والسّدود. وإذا كان هذا همّ اليوم فيجب أن يكون همّ الغد هو المواطن فإنّ الإستقرار الحقيقى والسلام الدائم لا يقومان إلا بتقديم الخدمات الأساسية للمواطن فصبره على المكاره له حدود.
يقول السيّد المسيح عليه السلام: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان"
وإذا تأمّلنا الجانب النّفسى لوزارة الصحّة الاتّحاديّة فنجد أنّ من يعمل فيها يعانى من الاكتآب الوجودى فى أفضل الأحوال، واليأس فى أدناها أو خداع النّفس بالتّمنّى أو الانعزال أو الانشغال بما لا يفيد. فهى لا صوت لها ولا وزن عند الحكومة حتى يأتيها بالدّعم المطلوب.
ومطالبتها المتقطّعة للحكومة بالإنفاق على الصحّة لم يأت إلاّ بالقليل من الفتات ولم يعترض أو يستقيل من بيده مسئوليّة الصحّة حفاظاً على المناصب وعدم إغضاب الحاكم. فمتى سمعنا أنّ وزيراً أو وكيلاً للصحّة استقال احتجاجاً على ما آلت إليه أحوال الصحّة منذ الاستقلال ؟
وهى وزارة مفلسة اجتماعيّاً لأنّ مواردها البشريّة محدودة ودورها الاجتماعى لا يتعدّى التصدّى للأوبئة الموسميّة أو تلقيح الأطفال، الذى تصرف عليه منظّمات عالميّة، أو محاولة تحسين المجال العلاجى بطريقة عموديّة وبلا خريطة طريق أو رؤية واضحة تشمل بقيّة قطاعات الصحّة مثل الرعاية الصحيّة الأوليّة.
فمثلاً فى ميزانية عام 2003 صدّقت الحكومة 2795 مليون دينار سودانى لإعادة تأهيل المستشفيات التّخصّصيّة صُرفت منها 96.2 مليون دينار (برنامج توطين العلاج بالداخل صرف حوالى 80 مليون دولار فى مرحلتيه الأولى والثانية وما زالت معظم المعدّات فى حاوياتها أو معطّلة أو لا يوجد من له خبرة بتشغيلها) ولم يُخصّص للرعاية الصحيّة الأوليّة أىّ مبلغ بينما خصّص لتكملة القاعات والمعامل بالجامعات، والتى من مسئوليات وزارة التعليم العالى، مبلغ 1644 مليون دينار فى عام 2002 ولم يخصّص للمراكز الصحيّة بالولايات أو لمكافحة الإسهالات أو للأمراض التّنفسيّة أو لصحة الأمومة والطفولة أو للتحصين الموسّع أو لمكافحة الدّرن أو لدعم برنامج التّغذية (54% من الأطفال يموتون اليوم من سوء التغذية.
ووزارة الصحة الاتّحادية لم تغيّر مسارها بتوزيع معدّات حديثة للمستشفيات بالولايات بقيمة 2 مليار جنيه سودانى بدون كادر بشرى لتشغيلها وكانت الأولى بها الرعاية الصحية الأولية) أو للخدمات الطبيّة أو للمعمل القومى أو للصحّة الريفية أو لدعم الغازات الطبيّة بالمستشفيات ولا دينارٍ واحد بينما صُدِّق ب 250 مليون دينار لدعم العلاج بالخارج فى عام 2002 وصرف مبلغ 672 مليون دينار بينما كان دعم العمليّات فى المستشفيات 280 مليون دينار والحوادث 1000 مليون دينار ودعم التأمين الصحّى 8.4 مليون دينار.
والأعجب بأنّه صدّق لوزارة الصحّة الاتّحاديّة ب 2.5 % من الميزانية القومية فى عام 2003 لم يصرف منها غير 1.6%. وحتّى نقرّب ذلك للأذهان فإنّ كامل ما صرف على الصحّة لا يزيد عن 63 مليون دولار أى أنّ كلّ مواطن كان نصيبه لا يزيد من دولارين.
تخيّل أمّة بحالها يصرف عليها 63 مليون دولار يذهب ثلثاها للأجور والتسيير والثلث الأخير للمستشفيات التّخصّصيّة! وبعد ستّ سنوات وانتهاء الحرب فى الجنوب لم تزد ميزانيّة وزارة الصحّة الاتّحاديّة عن 175 مليون دولار.
وإذا تأمّلنا الموارد البشريّة، وأخذنا جزءاً من قطاع الأطبّاء كمثال فى نفس الفترة للمقارنة، نجد أنّ هنالك 1030 أخصّائيّاً يوجد منهم 670 بولاية الخرطوم و244 طبيب أسنان يوجد منهم 167 بولاية الخرطوم بينما فى ولاية نهر النيل 22 أخصائي و11 طبيب أسنان بينما الجزيرة المتاخمة بها 97 أخصائياً و23 طبيب أسنان.
وحتّى نقرّب الصورة ذلك يعنى أنّ أقل من ثلاثة أخصائيين لكلّ مائة ألف فى ولاية الجزيرة بينما هنالك طبيب أسنان واحد لكلّ 350 ألف مواطن. هذا يوضّح النّقص الكمّى للموارد البشريّة أمّا ضعف الخبرات والنّقص النّوعى فنجده فى تقرير وزارة الصحّة عن الفجوات المعلوماتي’ فى الصحّة المنشور فى يونيو 2004 ويقرّر أنّ المعلومات التى جُمعت عن الصحّة فى السودان قبل عام 2004 ظلّت حبيسة المضابر لعدم وجود الكفاءة بالوزارة لتحليلها وتفسيرها وتأويلها حتى يستفاد منها ووعد التقرير بتضمين المعلومات المحلّلة فى الاستراتيجيّات القادمة التى سوف تعتمد على الدّليل حتى تُنمّى خطّة لخدمة فعّالة تسهم فى تنمية الصحة فى السودان وهانحن نشرف على عام 2011 وباقى للاستراجية الخمسيّة 2007-2011 أقلّ من عام ولا زلنا كما كنّا.
وبذلك يتّضح أنّ وزارة الصحّة الاتّحادية تنتسب إلى الصحّة انتساباً صوريّاً لا حقيقيّاً وبدون علم، والعلم هو معرفة حقيقة الأشياء، فليس من المستغرب أن يغزو المرض أعضاءها ويصلّب مفاصلها.
وسنواصل بإذن الله تعالى ودمتم لأبى سلمى