الشهادة السودانية .. الخلل والاختلال ..
بقلم بروفيسور/ محمد زين العابدين عثمان – جامعة الزعيم الأزهرى
Mohamed Osman [
[email protected]]
لقد شاءت الظروف أن أتابع المؤتمر الصحفي الذى أقامته وزارة التربية والتعليم العام لإعلان نتائج امتحانات الشهادة السودانية للعام 2012/2013 ورأيت الفرحة تملأ وجوه كل المسئولين بالوزارة وعلى قمتهم وزير التربية والتعليم الاتحادي في حين أن النتيجة جد محزنة وتدعو للرثاء وتنعى التعليم العام في بلادي والذى ذهب الى غير رجعة منذ أن استولت الأنفاذ على السلطة بالانقلاب العسكري.
أذاع السيد الوزير وطاقمه المائة المتفوقين في المساق العلمي على مستوى السودان وكانت النتيجة أن 93% من المتفوقين في المائة الأولى من أبناء وبنات مدارس العاصمة القومية وأكثر من 80% من هؤلاء المتفوقين من المدارس الخاصة بولاية الخرطوم وأكثر من 70% منهم من البنات مما يوحى أن البنات أكثر ذكاءاّ وأكثر مقدرة على التحصيل من رفقائهم الأولاد وهذا حكم يجافي الحقيقة لأن هنالك علة تقعد بالأولاد عن البنات يجب أن تدرس.
فهل هذه الامتحانات هي التي توضح المقدرات الكامنة في أبنائنا على امتداد القطر أم أن هنالك خللاً واختلالا في نظام التعليم والتعلم وفي نظام الامتحانات نفسه؟
هل أتيحت البيئة الدراسية الصحية والصالحة والمتساوية لكل أبناء السودان بالتساوي حتى تكون المنافسة عادلة؟
أم أن هنالك خللاً؟
ونقصد بالبيئة الدراسية الصالحة هي اكتمال المعينات التدريسية في كل مدارس السودان عامها وخاصها ولا يوجد فرق وهى تشمل الأساتذة الممتازين والمباني الصحية والمعامل المكتملة والكتاب المدرسي المكتمل والمتوفر دوماً وبعدها يمكن أن نقول أن نظام امتحانات الشهادة السودانية عادل ويتيح المنافسة الحرة. ومن منكم لا يذكر مدرسة حنتوب وخورطقت ووادي سيدنا والتي كان يدرس فيها أبناء الفقراء المهمشين والمتفوقين في دراستهم وكانوا أكثر قبولاً بالجامعة من مدرسة الخرطوم الثانوية الحكومية.
هذه النتيجة تقول أن كل أبناء الأقاليم المهمشين هم الأقل ذكاءاً ومقدرة على التحصيل وأن أبناء المدارس الحكومية حتى في العاصمة القومية هم أقل مقدرة وذكاءاً وتحصيلاً من أبناء وبنات المدارس الخاصة بالخرطوم، فهل هذه هي الحقيقة أم أن هنالك خللاً قد قدم من هو أقل مقدرة وذكاءاً على من هو أذكى وأكثر قدرات ومقدرة؟
للأسف الشديد فان معظم الأساتذة الفطاحلة وواضعي الامتحانات قد تكدسوا في الخرطوم وأحسنهم قد تعاقد مع المدارس الخاصة لارتفاع الأجور وايضاً صارت المعينات الدراسية والتدريسية من نصيب مدارس الخرطوم العاصمة خاصة أو عامة، هذا غير الدروس الخصوصية التي لا يطالها الا اصحاب المقدرات المادية من الأثرياء والتجار والمغتربين في بلاد 95% من شعبها يعيش تحت خط الفقر عالمياً مالكم كيف تحكمون؟
كيف تريدون ان يتفوق الذي لا يجد استاذاً ممتازاً ومعينات دراسية كافية وغذا كافي لتشغيل الذهن أن يتفوق على الآخر الذى يجد كل شئ أمامه في متناول اليد؟
في مدينة رفاعة عندما أفتتح الشدخ لطفي أول مدرسة خاصة أستغرب الناس وسألوه لماذا فتحت هذه المدرسة وكل ناجح يد طريقه للمرسة المتوسطة؟ فقال قولته المشهورة هذه المدرسة فتحتها للأغبياء أولاد الأغنياء. سيحان الله فقد أنقلب الزمن والذين الآن صاروا في عهد الأنفاذ من المتفوقين وهذا الخلل ممتد حتى في المدارس الابتدائية بنفس السمت مما جعل معظم الفاقد التربوي على مستوى المرحلة الابتدائية والثانوية من أبناء الأقاليم وأبناء الفقراء كأن السودان قد صار حكراً في كل شيء للأثرياء الذين اكتنزوا الذهب والفضة والأموال وشاهقات المباني والعربات نهباً من مال الشعب السوداني الذى لا يجده لتعليم أبنائه وهم يحسبون أنهم بحسنون صنعاً. ألا يعلمون قوال الشاعر:
أن العلم سيبنى بيتاً لا عماد له **** والجهل يهدم بيت العز والشرف.
نظام الامتحانات هذا الذى كان وزير التربية والتعليم الاتحادي ووزير التربية بولاية الخرطوم مبتهجين له فرحاً هو نظام طبقي ومجحف وغير منصف في حق أبناء الفقراء والأقاليم وسيخلق خلال العشرة سنوات القادمات أن هنالك بيوتات وأسر قد احتكرت مهن الطب والصيدلة والعلوم الطبية والهندسية وبقية ابناء الشعب الفقراء اما للكليات الهامشية الى ليس لها حظ في التوظيف او صاروا فاقداً تربوياً في الشوارع والأزقة وهذه كارثة المت بالبلد بسبب الأنفاذ. وسيكون هنالك خللاً تنموياً حقيقياً أذ أن أبناء الأغنياء هؤلاء الذين درسوا في أحسن الكليات الجامعية بمالهم وليس بمقدراتهم لن يذهبوا ليعملوا في مناطق الشدة وسيتكدسون في المدن وأبناء الريف لهم رب يحميهم. أقول هذا وأنا أستاذ جامعي قد لاحظت أيضاّ أن معظم الطلاب في الكليات العلمية من طب وصيدلة ومختبرات وأشعة وهندسة وغيرها معظمهم من أبناء الأثرياء والوزراء والمغتربين وهذ وضع اذا استمر سيدمر السودان. هذا وقد لاحظت أن أكثر من 70% في هذه الكليات من البنات. فهل هؤلاء البنات يستطعن العمل في مناطق الشدة في أي خطة تنموية.
وقبل أن أختم هذا المقال نقترح أن يتم تغيير نظام القبول ونسبه وذلك بتقسيم نسب النجاح للكليات المختلفة الى ثلاثة مجموعات يكون فيها
25% منم الطلاب المقبولين من المدارس الخاصة والنموذجية
و 25% من المدارس الحكومية الموجودة بالعاصمة القومية والمدن الكبيرة
و50% من المدارس الحكومية الموجودة بالأقاليم
عسى ولعل اصلاح هذا الاعوجاج برغم أنه يحتاج الى اصلاح كامل بأن تقوم وزارة التربية والتعليم لمراجعة معلميها وتوزيعهم توزيعا عادلاً بين ولايات السودان سواءاً أكانت خاصة أو نموذجية أو حكومية وهذا هو ميزان العدل الوحيد الذى يجعلنا نحكم على أبناء الاقاليم ان كانوا أقل أم أكثر ذكاءاً من الآخرين. في الزمان الماضي كان يتفوق أبناء الاقاليم باجتهادهم لأنهم ليس لهم وقت للهو أو اللهو نفسه غير موجود لا سيما ولا غيرها. وهذا هو الذى جعل مكابدتهم في الجامعات صعبة اذ غشيهم الانبهار بالمدينة وحياة المدينة وما فيها قلل من تحصيلهم باتجاه البعض نحو اللهو الذى حرموا منه في الأرياف والقرى.
أنى أعتقد أن نتيجة امتحانات الشهادة السودانية هذا العام والأعوام السابقة منذ مجيء الأنفاذ لا تعبر تعبير حقيقي عن كفاءة ومقدرات أبناءنا الطلاب جميعاً سواء في الدارس الخاصة أو العامة أو العاصمية او الإقليمية. ولا أدرى كيف التأم مؤتمر التعليم في الشهر الماضي ولم يناقش موضوع الامتحانات هذا أو موضوع توزيع الأساتذة الأكفاء بين الولايات بالعدالة وإعادة بخت الرضا لتتحكم في المناهج ما زال هنالك بقية من الرعيل الأول لبخت الرضا يمكن الاستفادة منهم قبل أن يلاقوا ربهم راضين ومرضيين.
ونرفع صفارة الانذار اذا استمر هذا الوضع على ما هو عليه أن نخلق طبقتين من النخبة المتعلمة واحدة حاقدة على الأخرى. واذا وضعنا خطة لتنمية السودان كلهم لا نجد منهم من يذهب لمناطق الشدة من ابناء الأثرياء اذ معظم مشاريع التنمية عند جدتها هي مناطق شدة وبذلك نفقد خبرات سودانية من أبناء الأثرياء الذين سيهاجرون الى دول الخليج بما تحصلوا عليه بمالهم. ولسنا ضد المرأة ولكن لا بد من حد الأعداد المتزايدة للبنات بالجامعات وذلك بتوفير البيئة الصحية للأبناء بأن يتفوقوا ويتجهوا للدراسة والتحصيل بدلاً عن اللهث مع الآباء لتوفير لقمة العيش.