[s
كانت ليلة شتائية حين كان العمر غضا في اول نمؤه ( اضان فار) ، كان البرد فيها قارصا والريح فيها هابه (زيفه) تدفع البرد وتلوح به يمنة تارة ويسرة اخرى ، لتحشو به كل فراغ وتلامس به كل جسم. لم ينجو احد في محيط ذلك الطفل من هذه القره المخيفه ، سواء كان في العراء او داخل البيت فالبيت كان من الطين الذي تتخلله الثقوب والشقوق ، كل شيء كان قد لبس ثوب البرد هنا وتدثر به حتى الصباح
عويص الكلاب ، نهيق الحمير، شق صوت الرياح وكأنها تطلب من البرد ان يتوقف ، حتى ثبت في ذهنه انها تتألم مثله وتشكو حالها ، كانت الليله حالكة ودامسه ، قلت فيها الحركة وانقطعت فيها (الكراع ) والتزم الناس ديارهم وعم الهدوء، الا من فوانيس تتجول هنا وهناك ، او قبس من نار يعلوه طاجن او حله وتجمعت حوله بعض من الجرادل ومهمات العواسه
هنا امراة عجوز لم تبالي بل خرجت تتحسس ابقارها وكانها تحنو عليها وتواسيها ، وهناك صخل يتجرأ لصعود اقرب عنقريب ويعلوه ، هناك ضيف هجعه اناخ راحلته وهو يلقى السلام (ناس البيت هوى سلام) حينها دبت الحياة رغم شدة البرد وقام الناس لمباشرة ضيفهم المعهود ، ازدادت الفوانس في تلك اللحظه لعشاء الضيف ودابته ، في حين جلس الاب يوانسه حتى انتهاء العشاء ، كان الوقت يمر ببطء شديد وكأنه عاجزا عن المضي قدما حيث اثقلته الرياح البارده وحدت من خطاه
الناس ايضا كانوا يعانون ويتحملون هذا البرد في صبر وجلد ، ليس لديهم الا تلك العصيده التي مزجت باللبن ، وتفرغت في امعائهم الخاليه فور تناولها .
لم تكن هناك بطانيات ثقيله او الحفه تحميهم من هذا الكابوس ، كانوا يتلحفون بالثياب الباليه منتهية الصلاحية - توب الزراق للنساء وتوب الدموريه للرجال – وغالبا ما تكون هذه التياب متسخه وملمعه بالزيوت والغبار والاتربه التى غيرت لونها لتصبح داكنه ويختفي البياض من انحائها ، وهي ايضا كانت قليله ويستأثر بها الكبار دون الصغار 0
الاطفال كانوا لايحظون باغطيه مستقله لتخفف عنهم شيء من زمهرير الشتاء، الا جلودهم الرقيقه، كانوا يتجاذبون اطراف التوب الواحد المنشور فوقهم , وهم مثنى او ثلاث ، اجسامهم الهزيله كانت اشبه بالمصافي التي تسمح بدخول البرد دون الاتربه والغبار (برد صافي ) يلج الى عظامهم الرخوه ، حتى ترتجف اوصالهم وتصطك اسنانهم .
كانوا يتألمون وينتظرون حتى تحميهم غلبة النوم ، منهم من يهرب ويلوذ بفراش امه المسكينه او جدته وهى تقبله على مضض بعد ان تلسعه بقرصه تغوص في بدنه وتشتكيه الى الله ( شكيتك على الله يالجننتني ) هو لايرغب في ذلك ولكن مغلوب على امره كيف ينجو لايدرى حتى شكل له مجيء الليل كابوسا لافكاك منه,
سنكمل
[/size][/size]
التعديل الأخير تم بواسطة الهادي الامام محمد ; 01-26-2014 الساعة 10:18 AM.