التقيت بالأستاذ محمد عثمان وردي مرتين مرة لقاء رسمي والأخر اجتماعي
كان اللقاء الأول عام 1983م وكنت حينها سكرتير للجمعية الجغرافية بالجامعة وكنت مسئول عن حفل خيري يقيمه الأستاذ محمد وردي لصالح جمعيتي الجغرافية والتاريخ لدعم الرحلة العلمية التي كانت متجهة لجمهورية مصر العربية تم الاتفاق المبدئي مع الأستاذ محمد عثمان وردي بمنزله بالكلاكلة صنقعت حيث تم الاتفاق على إقامة الحفل مقابل مبلغ وقدرة 3200 جنية سوداني على أن يقام الحفل في الخميس الأول من شهر رمضان وذلك بعد أن فشلنا في إقناعه في إقامته في الخميس الأخير قبل شهر رمضان حيث أخبرنا بأنه مرتبط في هذا الموعد ، لقد كنا مترددين في قبولنا لهذا التاريخ ولكنه فطن لذلك وقال أن معجبي وردي غير مرتبطين بزمان ومكان فالذي يسمع ودري في شهر شعبان لايمنعه شئ من الحضور في شهر رمضان وانه لم يغن ذات يوم وكان هنالك متسع في المكان، فقد كان الرجل دائما واثقا من نفسه وهذا ما ميزه عن الآخرين ، هذا ما أردت أن أشير إليه في هذه المداخلة ، دفعنا له مبلغ 1600جنيه وهي قيمة القسط الأول أحضر لنا عقدا" وطلب منا التوقيع على العقد وكان عقدا جاهزا ويبدو انه كان معد لجميع حفلاته فطلب منا قرأه العقد فوقعنا معه العقد وأشار إلينا أن نركز على بعض فقراته وكانت توضح أن الرجل كان منظما ويحترم عمله لذلك كان دائما يطلب من الآخرين احترامه وكانت الفقرة الأولى من العقد تشير الي الآتي :- اتفق الطرفان الطرف الأول الأستاذ محمد عثمان وردي وفرقته الموسيقية المكونة من سبع عشرة عازفا .... فذكر لنا انه لايقم حفلا إلا بهذا العدد الكامل من العازفين وهذا يوضح لنا مدى احترام الرجل لعمله، وفي تأمينه لنفسه فقد وضع فقرة تشير إلى أن يكمل الطرف الثاني قيمة القسط الثاني كاملا قبل 24 ساعة من إقامة الحفل وإلا اعتبر الحفل لاغيا ، ويعتبر حضور الفنان لموقع الحفل بكامل فرقته الموسيقية في الزمان والمكان المحددين إيفاء لجميع بنود العقد ، هذا الضبط أيضا من الأشياء التي ميزت الاستاذ وردي فهذه الجدية كانت دائما أهم مايميزه عن الآخرين فكان لا يجامل على حساب فنه وعائده المادي لايظلم ولايُظلم ، اتصل بنا قبل يوم الحفل لإحضار باقي المبلغ 1600 جنيه فذهبنا له في منزله وأخطرناه بأننا لم نتمكن من جمع باقي المبلغ وسوف نعطيه باقي المبلغ بعد الحفل فلم يزد معنا في الكلام وقال لنا إن لم تحضرو المبلغ خلال الساعات القليلة القادمة عليكم بإعلان إلغاء الحفل من نفس المكان الذي أعلنتموه منه (يقصد في الإذاعة والتلفزيون) وقال انه قد وزع القسط الذي أعطيناه أيا استحقاقا للعازفين ال17 بواقع 50 جنيها لكل عازف ، ولما راءنا غير راضين اراد ان يلطف الجو وقال مداعبا" ( الواحد يعني أكان جاء هَوا ساكِت تاني إلم فيكم وين انتو ماقريتوا العقد ولا شنوا ) فالرجل لم يكن مخطئا" فهو لم يطالب بأكثر من مما اتفقنا عليه ، تحركنا بسرعة وعملنا على استلاف المبلغ من خزينة الاتحاد وتم إقامة الحفل واكتظت القاعة بالجمهور وحقيقة لم يكن هنالك متسعا في المكان كما قال ، هذا يوضح لنا ان الرجل لايجامل أبدا" وهذا من حقه ، ولكننا دائما لانرضى السلوك الانضباطي ، الشئ الآخر الذي كان يميزه انه كان حازما في عملة فكان العازفون دائما يخشونه فهو لايرضى الخطأ في الآداء وتحس ذلك في وجهه أثناء آدائة لأغانيه فيؤنب المخطئ ويثنى على المبدع وذلك من خلال تقاسيم وجه وهو على خسبة المسرح .
أهم ما ميز الفنان محمد وردي غنائه للوطن فقد غني للاستقلال ولأكتوبر ولابريل وكان من أميز المهرجانات الوطنية الغنائية التي قدمها تلك الحفلة التي أقيمت في الأسبوع الأول لانتفاضة ابريل 1985م وكانت بالميدان الشرقي بجامعة الخرطوم فقد غنى فيها وكأنه لم يغن من قبل غنى مجموعة من القصائد الثورية الجديدة للشاعر محجوب شريف
ياشعبا لهبت ثوريتك تلقى مرادك وفي نيتك
وقصيدة
وطنا ال باسمك كتبنا ورطنا احبك
احبك حقيقة واحبك مجاز وناسك عزاز
وأغنيه مساجينك تغرد في زنازينك
من أجمل ما غنى الأستاذ وردي اغنيتي قلت أرحل ومن غير معاد للشاعر الأستاذ الفيلسوف التجاني سعيد فلم يطلب الأستاذ محمد وردي من شاعر ان يكتب له كما طلب من التجاني سعيد ، كان الشعراء والملحنون يخافون وردي لانه لايرضى بالرث من الكلمات والغث من الحن ، الا رحم الله الأستاذ محمد وردي
اللقاء الثاني كان في عام 2002 في مستشفى حمد العام بالدوحة حيث أجريت له عملية زرع الكلي بواسطة الاستشاري الجراح السوداني الدكتور الفاضل الملك وما صاحبها من خلاف كبير( للأسف الشديد تحول لخلاف مادي) تم تعتيمه بين وردي وبين المتبرع الذي تحول لبائع ( كما وصفه الأستاذ وردي ) الأستاذ هاشم فقد كاد هذا الخلاف أن يؤدى لإلغاء العملية لو علمت به إدارة المستشفى لأنه يخالف قوانين زراعة الأعضاء بالدولة ، ويخالف العقد الشرعي الذي وقعا عليه ، تم احتواء الموقف وتمت العملية لكن ظل الخلاف قائما بين وردي وهاشم إلي ان غادر الأول للدار الآخرة ، كان هذا اللقاء للزيارة فكان لقاءا" بعد ايام من العملية بعد ان ازيحت منه الأجهزة فقد كان لايحب ان يزوره الناس وهو في الإنعاش أو عند المرض الشديد حتى في الحظات الاخيره من أيامه ، فهو دائما لايحب أن يُرى وهو في حالة من الضعف وهذه أيضا من الأشياء التي كان يتميز بها عن الآخرين ( وهي حالة نفسية تميز بها بعض الناس لأشياء في نفوسهم ) في الختام لابد لنا ان نقف عند تقييم الشعب السوداني للفنان محمد عثمان وردي فقد حبه الجميع كفنان واختلف البعض معه في بعض الأشياء التي ميزت شخصيته القوية والجادة والصارمة ولكن يبقى التقييم الصحيح لمن عاشروه في مسيرته الفنية الطويلة .والذي لإخلاف عليه فانه يعتبر فنان السودان الأول بلا منازع فقد ودعه الشعب السوداني وداعا يليق بمكانته الفنية وبما قدمه من الغناء الرائع الجاد وستظل أعماله ثروة قوميه للمكتبة الغنائية السودانية نسأل الله تعالى للأستاذ محمد عثمان وردي الرحمة والمغفرة وان يدخله جناته مع الشهداء والصديقين إنا لله وانأ إليه راجعون .