إقليم مدينة طابت يتمثل في مدينة طابت والقرى التي حولها مثل وادي شعير وفطيس والفريجاب صراصر وأبو عدارة وغيرها من القرى وهو يعتبر شيئا واحدا ، فهذا الإقليم يرتبط بعلاقات اجتماعية وثقافية قوية لذلك نجد أن الحركة الثقافية والاجتماعية والرياضية مرتبطة ببعضها البعض لحد كبير و من الصعب التوثيق لأحدهما دون الربط بالأخر ، وهذه محاولة للتوثيق لما ارتبط بالذاكرة لهذه الفترة وليس هو توثيق بالمعنى العلمي المعروف ،حيث أن ذلك يتطلب الرجوع لمراجع ومصادر ومقابلات وتثبيتها في المتن كماهو معمول به في البحوث العلمية ، بل هي محاولة قابلة للإضافة والنقصان والتعديل لمن يمتلك المزيد ، وقد حاولت أن أبدأ بالحركة الثقافية والأدبية بالمنطقة ، بدأتها بالحركة الثقافية والأدبية بمدينة طابت يليها في مقال لاحق الحركة الثقافية والأدبية بقرية وادي شعير وبقية قرى المنطقة يليهما التوثيق للحركة الرياضية .
الحركة الثقافية بالمنطقة كانت تقودها مدينة طابت بلا منازع إلا بعض القرى بالإقليم (إقليم المدينة اقصد به القري المرتبطة بالمدينة) مثل وادي شعير وفطيس والفريجاب وغيرها من قرى الإقليم وقد ظهرت هذه الحركة الثقافية مرتبطة بالأندية الثقافية الرياضية الاجتماعية مثل نادي العمال والأهلي بطابت ونادي وادي شعير ونادي فطيس والفريجاب وكانت مسارح هذه الأندية مكانا لهذا العراك الثقافي حيث أقيمت بها الندوات والمسرحيات والحفلات الغنائية والليالي الشعرية والسياسية والجمعيات الأدبية وغيرها من الأنشطة الثقافية ، وقد اشتهرت مدينة طابت بالأدباء والفنانين والمسرحيين حتى بلغ عدد الشعراء فيها أكثر من خمسون شاعرا" ومغن ، ويعزى ذلك الكم الهائل من الشعراء لتأثر هذا الجيل الجديد بمن سبقهم من هؤلاء الشعراء وكان على رأس هؤلاء الشعراء الشاعر والأديب الأستاذ المرحوم الطيب السماني أستاذ اللغة العربية وآدابها بمدارس طابت لقرابة الثلاثون عاما ، وقد اشتهر وتفرد في تدريسه للادب والشعر الجاهلي خاصة شعر المعلقات ، وكذلك لنظمه الشعر الغنائي ، ومن أشعاره الغنائية قصيدة الجدية الساكنة حينا التي غناها الفنان أحمد الطيب خلف الله وهي من أوائل ما سجله بالإذاعة
الجدية السـاكنة حينا * من نار غرامك حي انا
بي شقاي حي انا
وفي هذه الأغنية أجاد الشاعر الطيب السماني في استخدامه للأسلوب البلاغي الذي اشتهر به في جميع أعماله الشعرية لاسيما استخدامه للجناس التام ، حيث استخدمه في هذه البيت ثلاث مرات ، في كلمة حينا وبثلاث معان مختلفة حيث قصد في الأولي الحي مكان سكن المحبوبة وأحينا الثانية استخدمها للتنفيس عن ما ملكة من العشق أما الثالثة من الحياة حيث انه حيا" بشقاءها (هذا النوع من المحسنات البديعية الجناس والطباق والمقابلة إمتاز به أغلب شعراء طابت وخاصة في شعر المديح والإنشاد ، ومن أشعاره ايضا"
سمح الخصال ساحر المقل * من نار هواك انا نومي قل
و
نور السـعادة ضو ليك * ويالعريس مبروك عليك
و
وطول البعاد زد الألم والشوق* كتر وأنا جســمي أنهدم
ياناس حليلو الما ظلم
وأغلب أغانيه أداها المطرب أحمد الطيب وهذه الأغنية كانت من الأغاني المحببة لفناني وادي شعير في ذلك الزمن ، الفنان العبد الصديق والفنان بابكر محمد سليمان فقد أجادا غناءها مما جعلها تتصدر جميع حفلاتهم الغنائية في القرية وخارجها .
مما ميز الشاعر الطيب السماني أيضا" الشعر الفوري فكان اذا استفزاه موقف معين أخرج شعرا " ومثال لذلك قصيدة الجدية الساكنة حينا فقد نظمها وغناها أحمد طيب في نفس الوقت وفي نفس الحفلة وكذلك أغنية
القمير الاشرق سنا عمره داب 16 سنة
شوفوا كيف مال وانتنا يااللدين هبلتنا
وقد نظمها في عام 1965م في حفل بالكاملين وغناها الفتان احمد الطيب في نفس الحفل ، من أشهر ما قيل في هذا النوع من الشعر الفوري قصيدة الشاعر أبو صلاح التي نظمها في حفلة عرس وغناها كرومه في نفس الحفل بحي القلعة بأم درمان في فتاة أسمها بدور استفزته رقصا وجمالا سحرته عيونها فهيجت شجونه ونظم قائلا،
العيون النوركم بجهرها غير جمالكم * مين السهره يابدور القلعة وجوهرة
ويؤديها حاليا الأستاذ محمد الامين
ومن شعراء طابت الشيخ هاشم فقد نظم الشعر الغنائي وشعر المديح وفي أخر أيامه اشتهر بشعر المديح ومن اشعارة الغنائية رائعته
ساهر طرفي مانُمت من يوم شفتك أعلنت * باني أسير سلمت بمن سواك أمنت
وقصيدة
جميل غاية وبديع رسمك ياخي كلمني قولي ما اسمك
ربي زاد قسمك تتوق الشمس لي لثمك
ونطرب ان ذكر اسمك
جميل غاية وبديع رسمك
ومن شعراء طابت في ذلك الوقت الشاعر المبدع أزهري عبد الرحمن أبو شام صاحب أغنية .
قام أتعزز الليمـون * عشان بالغنا في ريدو
حارق جوفنا دا الليمون* نجض قبال مواعيده
وقد غناها الرائع محمد سلام ومحمد سلام هذا من مدني اشتهر في وقت واحد مع لاعب الهلال المبدع أبو العز يوسف احيمر من الحصاحيصا فكلاهما أصابه ما أصاب التجاني سعيد فلم يغن سلام بعد هذه الأغنية ولم يلعب أبو العز غير هذه المبـارة ( مباراته الوحيدة مع المريخ) ولم ينظم التجاني سعيد شعرا" بعد رائعتيه قلت أرحل ومن غير معاد ، فبعدهم لم يُذاق للغناء ولا للشعر ولا الكرة طعما .
ومن فناني طابت الفنان أحمد الطيب خلف الله ، فقد غنى للطيب السماني أغنياته السابقة وغنى للحقيبة ومن أجمل أغنياته في الحقيبة أغنية الشاعر عبيد عبد الرحمن
ضاع صبري أين يا وصلي * قلبي بي نار الغرام مصلي
وقد ُشبه بعصفور السودان الجريح الفنان إبراهيم عبد الجليل وذلك لصوته المتميز ومن فناني طابت في ذلك الوقت الثنائي أولاد سقاري وود المبـــارك ( محمد المبارك موسى) وتبعهم بعد ذلك عماد وعادل وعصام أحمد الطيب ومبارك عبد الدافع وغيرهما ، وقد كانت أغلب حفلات وادي شعير يقيمها الفنان أحمد الطيب إلى أن ظهر فنانا وادي شعير العبد الصديق وبابكر محمد سليمان ، سنكمل في حلقات قادمة إن شاء الله
أرجو أن لا أكون قد اطلت
وفي حلقتين قادمتين ان شاء الله سوف أكتب عن الحركة الثقافية والادبية بوادي شعير وفطيس والفريجاب ويلها حلقة أخيرة عن الحركة الرياضية